أوهام حمراء

 


بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة 



صنعوا عيدًا للحب، كأنما أرادوا أن يحصروا أعظم مشاعر الإنسان في يوم واحد، وأن يُقنِّنوا الدفء والحنين والتقدير داخل باقة ورد ودبدوب أحمر! نحتفل ونبتسم ونلتقط الصور، ثم ننسى في اليوم التالي أن للحب وجوهًا أخرى لا تضيئها الكاميرات، ولا تُقاس بثمن الهدايا.

لكن الحقيقة أن الحب ليس موسميًّا، ولا يُختزل في مناسبة. فكل يوم نعيشه مع من نحب ويبادلنا صدق الإحساس هو عيد مؤكد، وإن لم يُكتب في التقويم.



خلونا نتكلم بصراحة... مفيش حاجة اسمها عيد حب بالمعنى اللي صدّروه لينا.

لأن الحب مش مناسبة بتستنى ميعادها، ولا شعور بيحتاج إعلان علني.

الحب الحقيقي مش كارت ولا صورة ولا هدية، هو فعل مستمر، وإحساس بيعيش جوّا التفاصيل الصغيرة اللي محدش بيشوفها غير قلبك.


الحب أن تقترب من إنسان بخوف عليه لا منه، تحفظ سره كأنك تحفظ سرك، وتخاف على وجعه كأنه وجعك.

الحب إنك تكون حضن وقت الزعل، وأمان وقت التعب، وإنك تفضل عارف قيمته حتى لو كل الناس نسيت معنى الوفا.


الحب مش دبدوب أحمر ولا وردة تذبل آخر اليوم، مش كروت ملونة بكلمات منسوخة.

الحب احتواء وارتواء، تفاهم وطمأنينة، تقدير وعطاء، تواصل طيب، وتغافل حكيم، وإحساس بالمسؤولية.

هو الأمان اللي تلاقيه في عيون اللي بتحبه، والسكينة اللي تسكنك لما تسمع صوته.

هو التفاصيل الصغيرة اللي بتقول "أنا جنبك"، من غير وعود ولا بهرجة.


  الحب في زمن السوشيال ميديا:


في زمن السوشيال ميديا، أصبح الحب عرضًا على المسرح لا شعورًا في القلب.

صار البعض يقيّم العلاقة بعدد "الإعجابات" والتعليقات، لا بعدد اللحظات الصادقة.

تحوّل الحب إلى مناسبة تُوثَّق لا تُعاش، إلى صورة تلمع على الشاشة بينما الواقع يفتقد الدفء.

أصبحنا نهتم بالشكل أكثر من المضمون، وبنظرة الناس أكثر من نظرة من نحب.

فكم من علاقة بدت مثالية على العلن، لكنها تنهار بصمت خلف الستار!

الحب الحقيقي لا يحتاج جمهورًا يصفّق له، بل روحًا تصدّقه وتحتويه.



لا تُقيموا عيدًا للحب، فالعشاق كثيرون، بل أقيموا عيدًا للأوفياء، فهم نادرون جدًا.

الوفاء هو أن تظل كما أنت رغم المسافات والاختبارات والاختلافات، أن تختار البقاء حين يسهل الرحيل، أن تظل تحمل الودّ حتى في لحظات الغضب.

الوفاء هو الحب حين ينضج، حين يصير قرارًا لا اندفاعًا، التزامًا لا انبهارًا.



 دعونا نحب بصدق، لا بمظاهر كاذبة، ولا بكلمات منسوخة.

دعونا نصنع عيدًا للحب في كل تصرف صغير، في كلمة طيبة، في دعم وقت الشدة، في لمسة حنان تُشعر الآخر أنه ليس وحيدًا.

اجعلوا قلوبكم العيد، وصدقكم الزينة، ووفاءكم الهدية.

فالحب الحقيقي لا يحتاج يومًا ليُحتفل به...

بل هو في ذاته عيد لا ينتهي. 


 "الحب لا يُقاس بعدد الأيام التي نعيشها معًا، بل بعدد اللحظات التي نشعر فيها أننا وُجدنا لنُحب بصدق... فكل نبضة صادقة هي عيد، وكل وفاء حياة."

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology