بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة
لم تكن صفاء أبو السعود مجرد فنانة متعددة المواهب؛ بل حالة فنية وإنسانية خاصة، بنت لنفسها مكانًا في قلوب أجيال كاملة بملامح طفولية وصوت يشع بهجة، ثم عاشت واحدة من أكثر القصص الشخصية غموضًا وسرية في الوسط الفني.
وُلدت صفاء عبد المنعم أبو السعود في التاسع من أكتوبر عام 1950 بمدينة المنصورة، لأسرة مصرية بسيطة يعمل والدها ضابط شرطة. ومنذ طفولتها الأولى، بدا أن الطريق مرسوم لها نحو الفن؛ شاركت في استعراضات طفولية، والتحقت بمعهد الكونسرفتوار، ثم بمعهد السينما قسم الإخراج، حتى أصبحت من أبرز الوجوه الصغيرة في برامج الأطفال.
أطلق عليها الشاعر صلاح جاهين لقب "ملكة الأطفال" بعد أن أصبحت صوتًا وصورةً لصناعة البسمة لدى الصغار. بدأت مسيرتها من الإذاعة مع “بابا شارو”، ثم “ماما سميحة” في التلفزيون، لتصبح صفاء بعدها علامة مسموعة ومحبوبة في كل بيت.
من الإذاعة والسينما… إلى نجومية كاملة
تنقلت صفاء أبو السعود بخفة بين ألوان الفن. في الإذاعة شاركت في مسلسلات بارزة مثل لا تطفئ الشمس، وعلى باب زويلة، وطائر الأحلام. أما الأغنية فكانت بالنسبة لها مساحة طبيعية للتعبير، وقدمت للأطفال روائع ما زالت حاضرة في الذاكرة: أهلاً بالعيد، صندوق الدنيا، السلم الموسيقي، ياصحابي وصحبّاتي وغيرها.
وعلى شاشة السينما، انطلقت مبكرًا في فيلم “هي والرجال” قبل تخرجها بست سنوات، لتتوالى بعدها نجاحاتها وتصبح من نجمات السبعينيات والثمانينيات. من أشهر أعمالها:
عماشة في الأدغال، شياطين إلى الأبد، بمبة كشر، أحترس نحن المجانين، البنات والحب، عندما يغني الحب.
أما في الدراما التلفزيونية فقدمت أعمالًا ناجحة لا تُنسى مثل: هي والمستحيل، الرحيل، غوايش، ملكة من الجنوب، برج الحظ، وكان آخرها اغتيال شمس.
الانتقال إلى القاهرة… صدمة مدينة لا تنام
تروي صفاء عن بدايتها قائلة:
“الفن كان مزروع فيّ من وأنا طفلة… لكن لما انتقلنا من المنصورة للقاهرة حسّيت إن المدينة كبيرة ومرعبة، رفضت أروح المدرسة 3 شهور من الزحمة والضجة وصوت العربيات، وكنت عايزة أرجع للي أعرفه.”
لكن أختها الكبرى —الطالبة بكلية الآداب— رشحتها للغناء في احتفال افتتاح التلفزيون المصري، فغنت أولى أغانيها هناك… وكانت تلك اللحظة بداية الرحلة.
قصة زواجها من الشيخ صالح كامل… حكاية الظل والضوء
عاشت صفاء أبو السعود قصة زواج من رجل الأعمال السعودي الراحل الشيخ صالح كامل تعد من أكثر القصص غموضًا وهدوءًا في الوسط الفني. قرر الزوجان منذ البداية أن يحتفظا بزواجهما بعيدًا عن الأضواء، حفاظًا على خصوصية كبيرة أحاطت حياتهما.
لكن هذا الهدوء لم يستمر. فقد تعرضت شقتها لسرقة نفذتها خادمتها، وقُدرت المسروقات بأكثر من 25 مليون جنيه، وهي مملوكة لصفاء. أثارت القضية ضجة كبرى وشائعات بلا نهاية، لتُجبر صفاء على كشف زواجها من رجل الأعمال الملياردير صالح كامل دفاعًا عن نفسها في مواجهة الاتهامات.
أنجبت صفاء منه ثلاث بنات، وظل الثنائي يعيشان في هدوء بعيدًا عن الكاميرات. نادرًا ما ظهرا سويًا في المناسبات، وكان آخر ظهور لهما قبل وفاته حين حضرا معًا مسرحية على مسرح البالون بالعجوزة.
توفي الشيخ صالح كامل عام 2020 أثناء وجود صفاء وبناتها في مصر خلال فترة توقف الطيران بسبب جائحة كورونا، وهو يؤدي صلاة التراويح. بلغت ثروته أكثر من 12 مليار ريال موزعة بين شركات وبنوك في السعودية و45 دولة حول العالم، واحتل عام 2017 المرتبة 936 عالميًا ضمن قائمة فوربس.
صفاء في الإعلام… من ضيفة إلى محاورة وصاحبة منصة
بعد توقفها عن التمثيل، اتجهت صفاء للعمل الإعلامي وقدمت برنامجها الشهير "ساعة صفا" الذي حقق نجاحًا كبيرًا، ثم "سهراية"، قبل أن تتولى إدارة إحدى قنوات ART المملوكة لزوجها.
امرأة صنعت نفسها… ثم صنعت مساحة لحياتها
تبدو رحلة صفاء أبو السعود كخيط رفيع ممتد بين الطفولة الصافية، والنجومية الصاخبة، ثم الهدوء العميق الذي اختارته لحياتها الخاصة. بين المنصورة والقاهرة، وبين الفن والإعلام، وبين الأضواء والظلال… تظل صفاء نموذجًا لامرأة أعادت تشكيل مسارها مرارًا دون أن تفقد ملامحها الأولى.
