امرأة تكتب الأمل على سبورة العالم

 



بقلم  قمر عبد الرحمن / فلسـطين 


من قلب الخليل، ومن صفّ تحيطه المخاوف كل صباح، تخرج حكاية تشبه فلسطين حين تختار المعرفة طريقًا لها. مها أبو منشار، معلمة الجغرافيا في مدرسة ياسر عمرو الثانوية للبنات، لا تدرّس الخرائط كخطوط صامتة، هي تعلّم المكان كيف يدافع عن نفسه في الذاكرة، وكيف يتحوّل السؤال إلى صمود.


مدرسة ياسر عمرو تقف في منطقة مهددة بالاستيطان غير الشرعي، وتواجه اعتداءات الاحتلال بصورة يومية. فالجدران تعرف القلق، والطالبات يعرفن معنى الوصول إلى الصفّ رغم الخطر. في هذا المكان، يصبح التعليم موقفًا أخلاقيًا، وتتحوّل الحصة إلى مساحة أمان مؤقت، تُدار بعقل مفتوح وقلب ثابت. مها تدخل الصفّ كل يوم وهي تدرك أن الجغرافيا هنا ليست مادة دراسية فقط، هي قصة انتماء، ووعي بالمكان، وإيمان بأن للطالبات حقًا كاملًا في هذا العالم.


اختيارها ضمن أفضل خمسين معلّمًا على مستوى العالم في جائزة Global Teacher Prize التي تقدّمها مؤسسة فاركي، من بين أكثر من خمسة آلاف مرشّح من مئة وتسع وثلاثين دولة، لم يكن رقمًا عابرًا. هذه الجائزة، التي توصف عالميًا بوصفها أرفع تكريم في مجال التعليم، جاءت اعترافًا بدور معلمة فلسطينية قررت أن تواجه التهديد بالإبداع، والعزلة بالابتكار.


تسع سنوات من العمل في سلك التربية والتعليم، قدّمت خلالها ست عشرة مبادرة تعليمية، جعلت من الجغرافيا تجربة حيّة. من تحويل المطبخ إلى منصة تعليمية أثناء الطوارئ، إلى توظيف الواقع المعزز والافتراضي والذكاء الاصطناعي في الصفّ، كانت الفكرة دائمًا واحدة: التعليم حق لا يتوقف عند باب مدرسة أو ظرف سياسي. الطالبة التي تفهم موقعها على الخريطة، تفهم موقعها في الحياة، وتعرف أن لها مكانًا لا يمكن محوه.


هذا الإنجاز لا يقف عند اسم معلمة، هو حصيلة دعم عائلة، وإدارة مدرسية آمنت بالقدرات، وهيئة تدريسية عملت كفريق واحد، وطالبات منحْنَ المعنى الحقيقي لكل جهد. وهو إهداء صادق لأرواح الشهداء، ولمعلّمين وطلبة يدفعون ثمن المعرفة كل يوم.


هكذا، تواصل مها أبو منشار طريقها، معلمة جغرافيا تحمل وطنًا في حقيبتها، وتكتب على سبورة مهددة معنى الاستمرار. هنا، في صفّ صغير، يتسع العالم، وتبقى فلسطين حاضرة في الدرس، وفي الحلم، وفي المستقبل.


مبارك لكِ هذا الوصول، ولهذا الجهد الذي لم يتراجع أمام الخوف. مبارك لصفّكِ الذي صار أوسع من الجدران،

وللجغرافيا حين نطقت بلسان البنات. مبارك للخليل هذا الاسم الذي يعلّم العالم معنى الثبات، ومبارك لفلسطين

حين تُذكر في المحافل عبر معلمة اختارت المعرفة طريقًا، واختارت البقاء موقفًا. هذا التقدير شهادة

أن التعليم حين يُكتب بصدق يصل، وأن الحلم حين يُعلَّم

يصير ممكنًا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology