حاورته/ الأديبة نهى حسين
في هذا اللقاء الخاص، نستضيف الأستاذ جاسم علي آل رضوان، معلم من المملكة العربية السعودية يبلغ من العمر ٥٩ عامًا، ليحدثنا عن رحلته الأخيرة إلى جمهورية العراق، تلك الأرض التي طالما ارتبط اسمها بالتاريخ والحضارة والدين. من خلال تجربته، نسلّط الضوء على انطباعاته، والمفاجآت التي واجهته، وما لمسته روحه من مشاعر، في حوارٍ يتجاوز الأسئلة ليكشف عن أعماق تجربة إنسانية فريدة، تنبض بالمحبة، والدهشة، والتأمل.
كيف كانت توقعاتك قبل زيارة العراق؟ وهل تغيرت بعد التجربة الفعلية؟
قبل الزيارة، كانت لدي صورة محدودة عن العراق، ربما مشوشة بعض الشيء لكن عند وصولي، تغيرت نظرتي بالكامل. وجدت هناك جهداً واضحاً ومُقدراً يُبذل من قبل الجهات المعنية لتوفير بيئة مناسبة للسياحة الدينية سواء من حيث التنظيم أو التسهيلات المقدمة للزائرين.
ما أكثر شيء فاجأك أو لم تكن تتوقعه عن العراق؟
أول ما استوقفني كان وضع المطار. توقعت شيئاً مختلفاً، لكنه في الواقع يحتاج إلى تطوير شامل من حيث البنية التحتية، بدءًا من بوابة الدخول وحتى بوابة الخروج، خاصة في ظل الأعداد الكبيرة من الوافدين. ومع ذلك، هناك حركة تنظيمية واضحة وسريعة، تسعى لتوفير الراحة للمسافر.
كيف تصف تفاعل العراقيين معك؟ وهل شعرت بترحيب خاص؟
في الحقيقة، ما رأيته عبر الإعلام في أيام الأربعين كان مبهراً للغاية من حيث الكرم والحفاوة، لكن خلال زيارتي في الأيام الشعبانية، كان الاستقبال عادياً إلى حد ما. رغم ذلك، فإن لحظة التعارف الأولى غالباً ما تتسم بالترحاب والود.
كيف كانت تجربتك في زيارة العتبات المقدسة؟ وما الذي لامس روحك أكثر؟
كل موقع زرته كان يحمل طابعاً روحياً خاصاً به. كانت التجربة رائعة، لكن بعض الأماكن، خاصة في كربلاء، بحاجة لإعادة تنظيم وتوسعة، مثل إضافة طوابق لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الزوار، بالإضافة إلى وضع آليات صارمة لتنظيم الدخول عند اكتمال العدد، حفاظًا على الأرواح وسلامة الجميع.
هل شعرت باختلاف في الأجواء الروحية بين المدن المقدسة في العراق وأماكن أخرى زرتها سابقًا؟
بلا شك. هناك شعور بالسكينة والطمأنينة لا يوصف. الروحانية التي تعم المكان تجعلك تشعر بالأمان وكأنك في حضن الوطن، مهما كانت المسافة التي قطعتها.
ما اللحظة الأكثر تأثيرًا التي عشتها أثناء زيارتك للعتبات؟
لحظة الدخول الأولى إلى الأضرحة المقدسة كانت مزيجًا من الحلم والحقيقة. تلك الخطوات الأولى التي تطأ فيها أرض المقام الطاهر تبقى محفورة في الذاكرة والوجدان.
ما أكثر شيء جذب انتباهك في ثقافة العراقيين اليومية؟
ثقافتهم في التعامل مع الزوار تلفت النظر. هناك ذوق واحترام وكرم عفوي، وكأن الزائر ضيف في بيت كل عراقي.
هل لاحظت اختلافات كبيرة بين المجتمع العراقي ومجتمعك؟
الطيبة كانت قاسمًا مشتركًا، لكن ما يميز العراقيين هو الكرم الفطري والتواضع، وهذه الصفات تركت أثراً جميلاً في نفسي.
ما رأيك في البنية التحتية العراقية مقارنة بالمملكة؟
العراق بحاجة إلى وقت لإعادة البناء والتطوير، لكن الجهود المبذولة واضحة وملموسة، والإرادة موجودة، وهذا ما يُبشّر بمستقبل واعد.
هل وجدت في العراق أوجه تشابه أو اختلاف في العادات والتقاليد مقارنة بالسعودية؟
يوجد تشابه كبير جدًا، سواء في الكرم، أو احترام الكبير، أو تقديس الضيف. ربما التفاصيل تختلف قليلاً، لكن الجوهر واحد.
هل غيرت هذه الزيارة نظرتك إلى العراق؟ وكيف؟
نعم، ازدادت محبتي للعراق، والآن أحنّ للعودة بشوق كبير. لم أرتوِ بعد، وأشعر أن العراق لا يُختصر بزيارة واحدة.
هل تخطط للعودة مجددًا؟ وإن كان كذلك، فما الذي ترغب في استكشافه أكثر؟
بكل تأكيد. أخطط لزيارة أماكن أثرية وثقافية لم تسنح لي الفرصة لاكتشافها في الزيارة الأولى، إضافة لتكرار الزيارات الدينية.
كيف تقارن بين الصورة التي نقلتها منصات التواصل الاجتماعي عن العراق وبين ما رأيته فعليًا على أرض الواقع؟
هناك صورتان متناقضتان: صورة يُروّج لها المحبون، وأخرى يرسمها المُبغضون. لكن الحقيقة أكثر قربًا للصورة الأولى، وأجمل من أن تُختصر بعدسة أو منشور.
بماذا تنصح السعوديين الذين يرغبون في زيارة العراق لأول مرة؟
أن يطمئنوا، فالعراق بلد الكرم والحضارة والتاريخ. سيجدون من يحتضنهم بترحاب، وسيشعرون أنهم بين أهلهم لا غرباء.
كيف وجدت واقع العراق من حيث التعايش والتلاحم بين مكوناته، مقارنةً بالصورة التي تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي؟
السلم هو السائد، والمحبة والأخوة واضحة بين أبناء البلد. وهذا ما لمسته علی أرض الواقع.
وفي ختام حديثنا مع الأستاذ جاسم آل رضوان، نجد أن العراق، رغم التحديات، لا يزال يحتفظ بجماله الروحي وثرائه الثقافي. من لحظة الوصول حتى لحظة الوداع، كانت الرحلة مليئة بالدهشة والمشاعر الصادقة التي لا تُختزل بكلمات. تجربة تركت في قلبه أثراً عميقًا، ودعوة مفتوحة لكل من لم يزر العراق أن يخوض هذه الرحلة الروحية والإنسانية. كما قال الأستاذ جاسم: "العراق ليس مجرد بلد يُزار، بل تجربة لا تُنسى... والله ولي التوفيق."
ختاماً كلمة شكر وتقدير
أتقدّم بجزيل الشكر والعرفان للأستاذة الفاضلة/ نهى حسين على ما تفضلت به من اهتمام وطرحٍ مميز للأسئلة المتعلقة بالزيارة إلى العراق والتي عكست حرصها الكبير على الإحاطة بكافة الجوانب المهمة لخدمة الزائرين الكرام.
لقد كان لأسئلتك العميقة والمركّزة دورٌ مهم في إثراء الحوار وتسليط الضوء على النقاط الجوهرية.
بارك الله في جهودك وجعل عملك في ميزان حسناتك .. ووفّقك الله لما يحب ويرضى.