بقلم يوسف اليامي
فالقلوب كثيرة، والحب بات كلمة يسهل قولها، وتكرارها، وارتداءها كحُلّة مؤقتة لا تدفئنا طويلًا.
الحب وحده لم يعد كافيًا.
ما نحتاجه حقًا هو عقلٌ يُجيد قراءة ما لا نقوله، يفهم صمتنا كما يفهم حروفنا، ويُترجم نبض قلوبنا بلغة لا نُجيد الإفصاح بها.
نحتاج إلى من يُدرك أن التعب ليس في الجسد، بل في عمق الروح.
إلى من يلاحظ نظرة ذابلة، أو تنهيدة متوارية، ويعرف دون أن نسأل أن أرواحنا متعبة، مثقلة بما لا يُقال.
نحتاج من يرى جرحنا دون أن نُشير إليه، ويشعر بنا دون أن نكتب شكوانا.
القلوب التي تُجيد الحب موجودة، لكن القلوب التي تُجيد الإنصات لما خلف الحب... نادرة.
تلك التي لا تُحبك فقط، بل تُنصت لروحك حين تهمس، وتحتضنك حين تتشظى، وتعيدك كاملاً حين يشعر الجميع أنك مُنتهٍ.
التي لا تخذلك حين تحتاج، ولا تتغيّر حين تتعثر.
نحن لا نبحث عن الاندهاش، بل عن الانسجام.
أن نجد من نرتاح في حضوره دون تكلّف، من نشعر معه أننا لسنا بحاجة لنُبرر أنفسنا.
من يُجالس تعبنا بصبر، ويُصادق وجعنا بصمت.
من لا يهرب حين تتعكر سماءنا، ولا يتوارى حين نغدو صامتين، شاردين، غريبين حتى عن أنفسنا.
اللين باللين... والود بالود،
والأرواح لا تهوى الوجع، بل تهوى من يُخفف عنها وطأته.
فالقرب الحقيقي لا يُقاس بالزمن، بل بما تتركه الروح من أثر حين تقترب.
تمسّك بتلك الروح التي تأتيك مشتتًا...
فتستقبلك وكأنك كنت مفقودًا منذ زمن.
تُلملمك بلطف، دون أن تُذكّرك كم كنت محطمًا، وتبنيك من جديد دون أن تدّعي أنها مَن أنقذك.
تمسك بها، لا لأنها تمنحك الحب، بل لأنها تمنحك أنت... بكاملك، دون نقصان.
القلوب التي تعرف كيف تعود بك كاملاً، بعد أن خذلتك الحياة، لا تُفرّط بها.
فهي ليست كثيرة، وليست عابرة... بل هبة، قلّ من يحظى بها.