بقلم د. مجدولين منصور
خبر موجع انتشر في الأردن: حالات تسمم جماعي بسبب شرب كحو ل ميثانول مغشوش، شبابٌ في عمر الزهور تهاوت أجسادهم على الأرصفة وأبواب المستشفيات، بعضهم فقد بصره، وبعضهم فقد حياته، وبعضهم بين الحياة والموت ينتظر رحمة الله.
لم يكن هؤلاء المراهقون بالضرورة يبحثون عن المتعة الحرام وحدها، بل كان في داخلهم فضول قاتل، أو محاولة تقليد ما يرونه على مقاطع “الترند” حيث يظهر شباب يشربون، يضحكون، ويصورون اللحظة على سناب وإنستغرام، دون أن يعلموا أن هذه اللحظة قد تكون الأخيرة.
لقد صار الفضول الممزوج بغياب الوعي الديني والتربوي مصيدة لشبابنا، يظنون أن الرجولة في التجربة، والقوة في التحدي، والبطولة في كسر قواعد البيت والأسرة. نسوا أو تناسوا قول الله تعالى:
> “وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” (البقرة: 195).
ونسينا نحن - كآباء ومربين - أن التربية ليست فقط طعامًا وملبسًا ومدرسة، بل هي غرس قيم الوعي والحرص على النفس، وأن الحديث عن المخاطر يجب ألا يكون مجرد نهي غاضب، بل حوارًا صادقًا يفهم فيه أبناؤنا أن الدين لا يحرم الخمر عبثًا، بل لأنه يحمي عقولهم وأرواحهم وصحتهم، وأن التكنولوجيا ليست شرًّا بحد ذاتها، ولكن سوء استخدامها دون رقابة ووعي هو ما يقتل.
أبناؤنا اليوم يعيشون في زمن تغريهم المقاطع القصيرة والإعلانات المخفية، تبيع لهم وهم الحرية والمتعة، بينما الحقيقة أن هذه الحرية المزعومة قد تسلبهم أعمارهم ومستقبلهم.
أيتها الأم.. أيها الأب.. أيها المربي..
قبل أن تنام الليلة، اجلس مع ابنك أو ابنتك، اسألهم: ماذا تعرفون عن الكحول؟ ماذا ترون على هواتفكم؟ ماذا يقول أصحابكم عن التجربة؟
كن صديقًا لهم قبل أن يكون هاتفهم صديقهم.
كن مرشدًا لهم قبل أن يكون “الترند” مربيهم.
علمهم أن الرجولة ليست في التجرؤ على الخطأ، بل في قول “لا” عند الفتنة.
علمهم أن القوة في التمسك بحياتهم، وليس في اللعب بالنار.
علمهم أن الله الذي خلقهم يريد لهم الحياة الكريمة الراقية، لا أن يسقطوا على قارعة الطريق ضحية قارورةٍ مغشوشة بثمن رخيص.
ولنتذكر جميعًا: التكنولوجيا أداة، لكنها ليست المربي. نحن المربون، نحن الحصن.
والدين ليس فقط صلاةً وصومًا، بل هو أيضًا حمايةٌ للعقل والجسد والروح، وهو القلعة التي تحمي أبناءنا من أنفسهم ومن فتن هذا العالم.
لعل ما حدث يكون جرس إنذار لكل أسرة، فلا نسمح للفضول والرفاق والتحديات الزائفة أن تسرق منا أغلى ما نملك: أبناؤنا.