بقلم الكاتبة الصحفية/ سهام فودة
في لحظة، تنهار أشياء كثيرة، ليس لأنك قصّرت، ولا لأنك تغيّرت، ولا لأنك لم تكن كافيًا، بل لأن شخصًا ما اتخذ قرارًا أنانيًا، جبانًا، لا يحمل من الشجاعة شيئًا سوى أن يغرس سهمًا في ظهرك ثم يفرّ
الخيانة ليست مرآة تعكس عيوبك، بل عدسة كاشفة لفراغاتهم الداخلية، لجُبنهم، لنقصهم، لاضطرابهم الذي أرادوا أن يسحبوا معه أحدًا ليشعروا أن العالم لا يحاكمهم وحدهم
فلا، لم يخونوك لأنك اكتسبت بعض الوزن، ولا لأنك تأخرت في إعداد الطعام، ولا لأنك عبرت عن ضيقك ذات ليلة، ولا لأنك منغمس في مسؤولياتك. لم تخُنهم مشاعرك، لكنهم خانوا أنفسهم أولًا قبل أن يمتد خداعهم إليك
الخيانة ليست "زلّة لحظة" كما يقولون، بل اختيار متعمّد، قرار اتُّخذ في الظل، تحت غطاء أناني، ينقصه النضج، ويعرّيه الجُبن من كل أعذار العالم. الخيانة ليست لحظة ضعف، بل لحظة تخلي عن كل ما هو إنساني، عن العهد، عن الكرامة، عن النقاء الذي كان يومًا ما يجمع بينك وبينهم
إنك تستطيع أن تمنحهم كل شيء، وتظل نظرتهم معلقة بما لا يملكون، بأوهام لا تنتهي، بمحطات لا علاقة لها بك، لأنهم ببساطة لا يعرفون كيف يتوقفون
إنهم يفتقرون إلى الانضباط، إلى القدرة على مواجهة الذات، إلى قوة الصدق، إلى الشجاعة التي تمنعهم من جرح من وثق، وتضعهم أمام مسؤولية الالتزام بدلًا من الهروب إلى أحضان الغياب المتكرر
توقف عن إعادة المشهد ألف مرة، عن تفكيك التفاصيل وتفتيش ذاتك بحثًا عن ثغرة، عن سؤال نفسك: ماذا لو تصرفت بطريقة أخرى؟ ماذا لو كنت أفضل؟ الحقيقة أنك كنت كافيًا... لكنهم لم يكونوا أمناء
يمكنك أن تكون أكثر الناس حبًا، ويمكنك أن تمنحهم صبرك كله، وإخلاصك حتى النهاية، لكن الخائن سيخون، لأن الخيانة ليست ردة فعل... بل طبع. ليست لحظة سهو، بل نية
لا تُصلَح الخيانة بوصفة طعام جديدة، ولا بثوب أكثر أناقة، ولا بصبر إضافي. لا يمكن للثقة أن تُزرع في قلب قرر مسبقًا أن يُقلعها في أقرب لحظة تزعجه الحياة فيها
الحب الحقيقي لا يُغادر حين تتعكر الأجواء، لا يهرب إلى ذراعين غريبتين حين تنكسر النوافذ، لا يغيب حين تتعب، لا يطلب الإذن للخداع حين تُغلق الأبواب. الحب الصادق يقف، يتحمل، يواجه، يعترف، ويتنفس حتى في عاصفة الألم
الخيانة ليست من أعراض الحب. بل من أمراض النفس. والخائن لا يحتاج مبررات، بل يحتاج أن يُحاسب على اختياراته. لذلك لا تمنحهم الأعذار، لا تُجمل القبح ولا تُزين الطعنات
لا تلم نفسك، لا تُحمّلها خيانة لم تصنعها. لا تُقنع قلبك أن يُصلح ما كُسر في روح غيره. فبعض الأرواح لا تُشفى، وبعض النفوس لا تنضج، وبعض العلاقات خُلقت لتكشفك لا لتكملك
وإن خذلك من أحببت، فاعلم أنه لم يكن يستحق هذا الحب من البداية، ولا تحزن.. فالأوفياء لا يخونون، ولا يهربون، ولا يبيعون من سكن قلوبهم
وإذا أردت أن تأمن قلبك مرة أخرى، فاختر من لا يؤمن بالخيانة أصلًا، من يعتبر الأمانة شرفًا لا خيارًا، من يرى في المواجهة رجولة، وفي الصدق قوة، وفي الحب التزامًا لا مزاجًا
في النهاية، تذكر دائمًا:
لم يخونوك لأنك لا تستحق، بل لأنهم لا يعرفون كيف يكون الإنسان جديرًا بالحب