بقلم: نقاء أحمد طوالبه
بين الصمت والدائرة: عنوان يختصر الفلسفة
اختيار العنوان “صمت دائري” لا يبدو عفويًا. فـ”الصمت” هنا ليس غيابًا للكلام، بل امتناعٌ واعٍ عن الضجيج؛ فعلُ مقاومةٍ لغويّ، واختيار جمالي للانعزال العميق عن عالم فقد توازنه. أما “الدائرة”، فترمز للدوران، التكرار، العودة للنقطة الأولى… وكأنّ الصمت لا يُفضي إلى النجاة، بل إلى تكرار الأسى، إلى أسر لا مرئيّ.
اللغة: من البوح إلى البُعد
تستخدم نقاء طوالبة لغة مكثفة تتجاوز الشكل التقليدي للشعر أو الخاطرة، لغة فيها من الغموض ما يكفي لاستفزاز القارئ، ومن الضوء ما يكفي لعدم إغراقه. إنها كتابة تقوم على التلميح لا التصريح، وعلى الإحساس لا المباشرة. وكأن كل جملة تُكتب من شرفة روحٍ خائفة، تتأرجح بين الانكسار والرغبة في الحياة.
“سأغمض الأجفان على حلمٍ هارب…
على وقع الخطى…
على دروب الرحيل…”
بهذه العبارات، تدعونا الكاتبة إلى عالمها الداخلي، حيث الرحيل لا يكون دائمًا مكانيًا، بل شعوريًا. إنها تكتب من مواقع الخسارة، لكنها لا تبحث عن الشفقة؛ بل عن فهم أعمق لذاتها.
الثيمات: وحدة، أنوثة، وصراع داخلي
يتكرر في صفحات الكتاب حضور الأنثى كذات متأملة ومنفية في آنٍ معًا. أنثى تقف على حافة الحياة، ترصد زواياها، لكنها لا تنخرط فيها كليًا. هناك تيمة الوحدة، والاغتراب الوجداني، وحتى الهوية المعزولة عن المكان. الكاتبة لا تصرخ، بل تهمس، وتدع الصمت يتحدث نيابةً عنها، وهو ما يجعل النص مشبعًا بصدقٍ نادر.
الكتابة كخلاص
ما يميز “صمت دائري” هو أن الكتابة فيه ليست ترفًا فكريًا أو مشروعًا أدبيًا باردًا، بل فعل وجود. كل جملة تبدو كأنها كُتبت للنجاة، لا للعرض. الكاتبة تحوّل آلامها إلى نصوص، وارتباكها إلى صور، وهواجسها إلى جملٍ مفتوحة على التأويل.
في ختام القراءة
“صمت دائري” ليس كتابًا يُقرأ على عجل. إنه نصّ يجب التوقف عنده، التماهي معه، وربما الرجوع إليه لاحقًا. هو تجربة شعورية مكتوبة، تكشف عن كاتبة تملك صوتًا خاصًا، حساسًا، يكتب من أماكن الظل لا الضوء، لكنه لا يفتقر أبدًا للنقاء، تمامًا كما اسمها.