وقفة عند عتبة رواية نابليون في عمّان للكاتب مصطفى القرنة.

 


بقلم منال العبادي

بين شخصية واقعية كانت حاضرة في وسط البلد إلى شخصية في رواية للكاتب الروائي مصطفى القرنة. 

كان يسير ببزته العسكرية ويمشي بشوارع وسط البلد ذهابا وإيابا مقلدا ذلك الفاتح العظيم، لافتا أنظار المارة، ناقلا لنا مأساة واقع لايستوعب أبنائه. 


عنوان "نابليون في عمّان" العنوان غريب ومستفز ويولد فضولاً فورياً. من هو هذا "نابليون"؟ وكيف وجد نفسه في عمّان؟ هذا التشويق هو مدخل قوي للقارئ إلى عالم الرواية الغرائبي والساخر أحياناً.


نلاحظ أن العنوان هو تعبير مكثف عن المفارقة الكبرى التي تستكشفها الرواية و التناقض الصارخ بين الطموحات والأحلام الفردية الكبرى (الممثلة بـ"نابليون") وبين قيود وإكراهات الواقع العربي المعاصر المتمثل في مدينة عادية مثل عمّان.

 إنه عنوان يشير إلى الهزيمة الداخلية، صراع الهوية، هروب الذات إلى الخيال، ومرارة الاصطدام بالحقيقة، كل ذلك مغلفاً بلمسة من السخرية والغرابة.


وإن الجمع بين اسم "نابليون" (القائد الفرنسي التاريخي الأسطوري، رمز الطموح الإمبراطوري الجامح، الغزو، القوة العالمية، والتاريخ الأوروبي) ومدينة "عمّان" (العاصمة الأردنية، عادية في مظهرها اليومي، تحمل هموم واقعها العربي و هذا التضاد الصارخ يخلق مفارقة مدهشة تدفع القارئ للتساؤل  كيف يمكن لهذين العالمين أن يلتقيا؟ هذه المفارقة هي جوهر الرواية التي تستكشف التناقض بين الأحلام الكبرى والواقع الصعب.

وقد اختار الكاتب هذه الشخصية تحديدا  للتعبير عن الطموح الفردي الجامح"نابليون" هنا ليس الشخصية التاريخية، بل هو لقب استعاره الكاتب من الشخصية الأساس  حيث يرمز إلى طموحه الهائل، أحلامه التي تتجاوز حدود واقعه، وشعوره الداخلي بالعظمة والقدرة على تغيير العالم من حوله، رغم ضآلة إمكانياته المادية والاجتماعية.

   وليوضح لنا بأن الانفصال عن الواقع حيث يشير اللقب إلى الهوة بين تصور الذات ("إمبراطور" في الخيال) والواقع المعيش (الحياة في شقة متواضعة في عمّان).

 إنه تعبير عن حالة من "الغرور" أو "الوهم" الذي قد يكون وسيلة للهروب من قسوة الواقع.

   كما أنه أداة تعبر عن الهزيمة والانكسار، نابليون التاريخي انتهى منفياً في سانت هيلينا، اللقب يحمل أيضاً إيحاءً بالمصير المحتمل للطموحات الكبرى، الإحباط، الفشل، والانكسار في مواجهة قوى أكبر (الواقع، المجتمع، السياسة). 

واختياره لمدينة عمان بالذات  للدلالة على 

الواقع العربي المعاصر حيث  تمثل عمّان هنا مسرحاً للواقع العربي بكل تعقيداته، همومه، تناقضاته، وأزماته (الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية)، هي ليست مجرد مدينة، بل هي فضاء يحبس فيه "نابليون" ويصارع واقعه.

  كما هو دلالة على الفضاء المحلي مقابل الأحلام العالمية، عمّان هي الحيز الجغرافي والاجتماعي المحدود الذي يحاول "نابليون" التمرد عليه أو الهروب منه عبر أحلامه العظيمة، هي الأرض التي تقيد طيرانه المتخيل.

  كما أن الطابع العادي واليومي، اختيار عمّان (بدلاً من مدينة تاريخية كبرى مثل القاهرة أو دمشق) يؤكد على صعوبة تحقيق أسطورة "نابليون" في فضاء عادي ومحدود الإمكانيات. 


كان العنوان بكلمتيه يختزل الصراع المركزي في الرواية، الصدام بين الأحلام الفردية الهائلة، الطموحات المجنونة، والشعور بالتميز ("نابليون") وبين ثقل الواقع المادي، الاجتماعي، والسياسي المحبط والمحدود ("في عمّان")، إنه صراع الفرد الاستثنائي (في مخيلته) مع بيئة لا تستوعب استثنائيته  وتسحقه.





إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology