أخيرًا..ابتسمت لي

  


 بقلم لكاتبة معاني سليمان

 أفتح عيني فزعة على ذلك الصوت المعتاد، أضيء المصباح الجانبي، أحاول أن أفتح عيني المجهدتين اللتين لم تنعما بنوم هانئ منذ مدة.

السماء ترتدي ثوبها الأسود المرصع بالنجوم،ونسائم رقيقة محملة برائحة أشجار الصنوبر كانت تدخل من النافذة، فتتحرك ستائرها الحريرية البيضاء، يوقظني صوت بكائها المفزع، أنهض متثاقلة من السرير، أتأمل تلك المخلوقة الضئيلة وهي تفتح فمها على اتساعه ويحمّر وجهها وتنقبض كفاها الدقيقتان وهي تتلوى وتشد ساقيها،  أحملها بين ذراعي وأضعها على صدري مثل فأرة صغيرة مرتعدة، أحاول تهدئتها، أذرع الغرفة جيئة وذهاباً،. 

يستوقفني انعكاس ظلٍ شاحبٍ وعينين مطفأتين في مرآة الزينة.. أصرخ  

" لا  ..إنها لا تشبهني، لست أنا "

أتساءل.. متى آخر مرة سرّحت بها شعري أو اعتنيت بنفسي؟ ، متى آخر مرة خرجت فيها مع صديقاتي؟، أصبحتُ أتجنب الجميع، لا أرد على اتصالاتهم، أدعي أنني بخير وأستطيع تولي

الأمر، وأنني مثالية وسعيدة بأمومتي مثلهن، لكن شعوراً واحداً يتملكني تجاه هذا المخلوق الصغير؛  الخوف !!


ها قد بدأت وصلة بكاء جديدة، أنا عالقة في دوامة سوداء، تسحبني إلى الأسفل؛ دوامة من الصراخ والبكاء الذي لا ينتهي، الجو يصبح قاتماً وخانقاً أكثر فأكثر، وهي لا تتوقف عن البكاء، إنها تعي أنّ ليس بيننا تواصل، كلما حاولت تهدئتها؛ تزداد حدة بكائها .

أخيراً؛ حضرتَ أنت، عدت من عملك متأخراً كعادتك، حملتها بين ذراعيك؛ بدأ صوتها بالخفوت شيئاً فشيئاً، إنها تريدك أنت، تناديك وترفضني! ربما هي تشعر بحيرتي وضياعي، أو ربما تحاول دائمًا أن تثبت فشلي، وأنني لا أصلح أن أكون أمًا جيدة ..ها هي تغفو بحضنك وأنت تهدهدها وتغني لها، تضعها في فراشها، وتفوزان أنتما وأعلن أنا استسلامي، تربت على كتفي مواسياً 

-   لا بأس، لنخلد إلى النوم.

تستيقظ صباحاً للذهاب الى عملك، تجهز لها زجاجة حليبها، ثم تذهب لتأخذ حماماً منعشاً، كنت بغاية الهدوء والسكينة، وأنت تغني وتدندن أمام المرآة في سعادة، ترتدي ملابسك، تتأنق..رائحة عطرك جميلة منعشة تملأ الغرفة،  تحضر لي  كوباً من الشاي مع طعام الإفطار، تُقبلنا نحن الاثنتين، وتتمنى لنا يوماً سعيداً وتغادر.

كنتُ أراك جميلاً مشرقاً، فأتساءل

-    من أين لك هذا التفاؤل وهذه الثقة؟ 

ليتني مثلك، لكن شتان الفارق بيننا؛

أنت ناجح في عملك، وأنا لا أستطيع تولي أمر طفلة!

ابتسامتك دفيئة،  عيناك تشعان طمأنينة،  تملأك الثقة والحيوية، وأنا أذبل كل يوم؛ جسدي مهدود، آلامي فظيعة، وجهي شاحب، عيناي ذابلتان، والأصوات في رأسي لا تهدأ أبداً، والدوامة

تسحبني نحوها أكثر يوماً بعد يوم.

 ؛ رئتي تضيق بي، كأن حبلاً مشدوداً يلتف حول عنقي ويخنقني ببطء ..نظرت إليها بيأس 

" سامحيني؛ تعبت من هذا الوضع، وأريد أن أرتاح، لم نختر هذا الوضع، لا أنتِ ولا أنا، هل تظنين الأمر سهلاً علي، لقد فكرت فيه مرات ومرات، إن استمر تلازمنا سنبقى عالقتين معًا إلى الأبد، سنبقى يائستين ومحبطتين معاً،  سامحيني يا صغيرتي"

نظرت إليها مودعةً  قبل أن أُسلم نفسي لقدري، راحت عيناها الجميلتان تحدقان إلي، وكأنهما تنتشلاني من الغرق، ترفرف بيديها الصغيرتين، شعرت بها تناديني تمنعني، تهمس لي أحبكِ.

يدايّ عاجزتان عن الإقدام ، ألقيتُ زجاجة الحبوبُ المنومة على الأرض، ضممتها إلي، قبلتها وغمغمت 

- أنا آسفة ياملاكي الصغير.

 افترت شفتاها الصغيرتان  ببطء، وأشرق وجهها الصغير بابتسامة حلوة؛ أضفت إلى جمالها جمالاً

إنها لأول مرة ..تبتسم لي!!




ا

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology