المهندسة شهد القاضي
يا لهذا القلب حين يظنّ أن كل القلوب مثله، يا لهذا الكفّ الذي لم يتعلّم بعدُ كيف يقبض المعروف على مستحقّه ويكفّه عن غير أهله... إن المعروف إذا سُكِب في غير إنائه ضاع، وإن أُعطي لغير أهله صار كسقيا الورد في صحراء قاحلة لا تثمر ولا تورق.
يا صاحبي، إن في الناس أرواحًا لا تحفظ الجميل، قلوبًا تتوسّد العطاء ثم تنكر، أفواهًا تلوك حلاوة المعروف أمامك وحين تدير ظهرك، تلفظه كأن لم يكن.. ما أقسى أن تُطعِم جائعًا فيشبع منك لا من طعامك، ثم إذا جاءه الغنى، جاع قلبه عن ذكرك.. وما أمرّ أن تواسي موجوعًا، فإذا التأم جرحه، نسي يدك التي ضمدته.
المعروف في غير أهله خيبةٌ متكررة، صفعةٌ يسلّمك إياها من ظننت أنك تحسن إليه، ليذكّرك أن المعروف لا يُهدر على من لا يقدّر.. إن للمعروف كرامةً، لا يليق أن تُداس على أعتاب ناكري الجميل، لا يليق أن يكون ماءً مسكوبًا على حجارةٍ عطشى لكنها لا ترتوي.
علّمتني الأيام أن أحتفظ بجميل يديّ لمن يعرف كيف يحفظه في صدره دعاءً، وفي قلبه مكانًا لا يخذلني عند أول مفترق.. أن أزرع غرسًا أخضر في أرض طيّبة، لا أرضٍ بورٍ تلفظ البذرة بعد حين وتُنبت شوكًا.
يا من ضاق صدرُك من خيبات المعروف، لا تندم، لكن لا تُكرّر.. ازهد في الذين لم يحفظوا جميلك، وامنح عطاءك لمن يستحق.. لا تخلط الكرامة بالإحسان فيضيعان معًا.. واعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين، لكن الناس يفعلون.. فلا تنتظر من كل قلب أن يكون قلبك، ولا من كل يد أن تُصافح إحسانك بغير نكران.
أغلق كفّك حين ترى أنّ المفتوح على الدوام يُسرَق.. وأغمض قلبك حين ترى أنّ الساهر على الجميع لا يجد من يسهر عليه.. ازرع المعروف، لكن اختر تربةً تعرف كيف تُثمر.. وإن لم تجد... فاصنعه مع الله، فما عنده لا يضيع.