حين يستبدّ بك الألم

 


بقلم رنا الطويل 



حين يستبدّ بك الألم، لا يطرق الباب، لا يستأذن، ولا يقدّم نفسه باسمٍ لطيف. يأتيك في عزّ صمتك، وأنت متكئ على شرفات الأمل الأخيرة، يغرس مخالبه في أضعف نقطة فيك، ويبدأ بالعبث. ليس الألم هنا جرحًا في الجسد يمكن تضميده، أو صداعًا يُسكته قرص دواء… بل هو ذلك الزائر الخفي، الذي يتسلل إلى زوايا قلبك، ويستوطنها دون أن يراك أحد تتآكل.


هو ألم لا يُرى، لكن ثقله ينهك، وتفاصيله لا تُحكى، لأن اللغة تخونك كلما حاولت أن تشرح. قد يبدو وجهك عاديًا، حديثك متزنًا، وحتى ضحكتك مقنعة… لكن خلف كل ذلك، قلب يتخبط، وروح تتفتت على مهل.


حين يستبدّ بك الألم النفسي، يتحول العالم إلى لوحة باهتة، لا لون فيها يُفرح، ولا صوت فيها يُؤنس. تبدأ بالانسحاب من الأشياء التي كنت تحبها، من الأماكن، من الوجوه، وحتى من نفسك. تصبح فجأة غريبًا على ذاتك، وكأنك تراقب حياتك من نافذة بعيدة، دون رغبة في العودة.


ذاك الألم لا يحتاج إلى سبب واحد، بل أحيانًا يكون حصاد خيبات متراكمة، خذلان ممن وثقت، شعور دائم بأنك لا تنتمي، أو خوف داخلي لا اسم له، لكنه يحكمك بقبضة لا تُكسر.


وما أقسى أن تُصبح حبيس زوايا قلبك المظلم، أن تهرب من ضوء الشمس لأن النور يفضح هشاشتك، أن تتظاهر بالقوة لأن العالم لا يرحم الضعفاء، أن تخاف من الحديث لأنك تعلم أن كلماتك ستُفهم خطأ، أو لن تُفهم على الإطلاق.


ربما الأصعب من الألم ذاته، هو وحدتك فيه. تلك اللحظة التي تشعر فيها أنك الوحيد الذي لا يُسمع، الوحيد الذي ينهار بصمت، والوحيد الذي يحتاج إلى يدٍ تنتشله… لكن لا يد تأتي.


ومع ذلك، ثمة شيء لا يزال حيًا فيك… شيء لم يمت رغم كل الانهيارات. ربما هو الأمل، ربما هو الإيمان بأن كل ليل، مهما طال، له فجر. وربما فقط، هو صوت داخلي خافت يقول لك: “اصبر… ستمر، كما مرّت سابقتها.”


لأن الألم، مهما استبد بك، ليس أقوى من روح قررت أن تصمد.

ولأنك، رغم كل شيء… لا زلت هنا.

واقفًا.

تتنفس.

وتكتب.

وهذا وحده، بداية نهوض.


لكن ما لا تعرفه حتى الآن… أن أكثر لحظاتك وجعًا، قد تكون هي اللحظة ذاتها التي تُعيد خلقك من جديد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology