السيد كمال

  


 مقال بقلم الكاتبة / رضوى رضا

صباح الخير، وربما مساء الخير، أو حتى تصبحون على خير. في الواقع، ليس مهمًا متى تقرأ كلماتي، فالمهم أن تُقرأ ويُستفاد منها. لقد وقعت كثيرًا في هذا الفخ: فخ الترتيب لكل شيء قبل البدء في العمل الذي أريد إنجازه.

فعلى سبيل المثال: "وقت القراءة". كنت أقول لن أقرأ حتى أرتب غرفتي وأصنع فنجان قهوة رائع - لم يحدث في التاريخ – وهذا رغم أني أصنعه كما هو كل يوم. لكن في تلك اللحظة التي أحدد فيها القيام بعمل ما، يسيطر على عقلي "السيد كمال"؛ فيخبرني يجب أن يكون كل شيء مكتملًا تمامًا، لا تشوبه شائبة، ولا ينقصه شيء. وربما تعلمون نهاية هذا الوضع: أنني لا أبدأ أصلًا حيث تأخذني الفروع بعيدًا عن الأصول، فأنشغل بترتيب الوقت للقراءة ولا أقرأ، ويتسرب الوقت رويدًا رويدًا حتى يفوت، لتُعاد الكرة غدًا.

نسيت أن أعرّفكم على "السيد كمال". هو معطّلي الأول. يسحب مني الأعمال، يريحني أحيانًا، ولكنه يتعبني كثيرا؛ ففي كل مرة أقرر البدء في أي عمل، يذكرني أن هناك الكثير من الأشياء لم تُنجز بعد أو لم تكتمل. وإن هربت منه وبدأت، يبرز عيوب عملي باللون الفسفوري، حتى لو كانت فاصلة بين جملتين أو نقطة. 

يترك السيد كمال كل ما انجزته ويركّز فقط على ما لم أفعله. لا ينظر أبدًا إلى نصف الكوب الممتلئ، حتى لو كان النقص بضع قطرات فقط، بل يعاتبني عليها ويشعرني بأنه خطأ الكبير.

السيد كمال دومًا يخبرني أن هذا لمصلحتي، وأن الأشياء إن لم تكن على الوجه الأمثل فلا فائدة منها. كيف — برأيه — أرسل مقالًا بلا توقيع، أو صورة، أو ثلاث علامات ترقيم ناقصة؟ وبما أني كنت مطيعة، لم أكن أرسل المقال أصلًا! وهكذا في كل شيء: السيد كمال يأمر وأنا أنفذ، فتتعطل الكثير من الأعمال في انتظار الكثير من الكمال.

وفي الوقت نفسه، آخرون ينجزون ويكملون في الطريق، مقتنعين بجهدهم الحالي. يسمعون للنقد بأريحية، يصححون، يطورون، ويستجيبون للحياة بشتى أفكارها. ومن هنا يبدأ التطور والكمال الحقيقي. فوجود مقالات وأعمال في الأدراج دون أن ترى النور، لن يصنع فارقًا في تطورها. أما إذا نُشرت، فستجد من يستحسنها ومن ينتقدها، وفي كلتا الحالتين هناك فائدة لصاحبها.

وبالقياس على جميع الأعمال: أعرف صديقة لم تتجرأ يومًا على تنفيذ خطوة في مشروعها منذ سنوات. فهي دائمًا تبحث عن الجديد والأفضل، تسأل كل من تعرفهم، وفي كل مرة تقرر الانطلاق يوقفها السيد كمال بحجة أنها ليست جاهزة، وأن المشروع الناجح يجب أن يبدأ كاملًا لا ينقصه شيء.

لكن، أليس هذا المنطق غريبًا على البشر؟ فنحن لم نولد كاملين، ولم نتعلم الحروف دفعة واحدة، وفي سنواتنا الأولى لم نمشِ فجأة؛ فلقد سبق ذلك خطوات بسيطة، وعثرات، وتعلم، تبعتها خطوات أكبر أكسبتنا الثقة بأننا نستطيع الوصول رغم السقوط مرات كثيرة. وأخيرًا وصلنا لنمشي ثابتين، مغردين لأنفسنا بفخر. لكننا لم نتذكر سوى النتيجة.

ومن هنا، أدعو كل من يقرأ كلماتي أن يتذكر نجاحاته: كيف بدأت خطواته الأولى؟ وكيف اجتاز عثراته؟ وكيف تحوّل السقوط إلى نجاح وثبات؟

ومن اليوم، سأطلب من السيد كمال أن يذكرني بمحاسن أعمالي قبل نواقصها. لأن يا سيد كمال، متعة التحسين والسعي نحو الأفضل من شعور بالسعادة أجمل وأروع بكثير منه عند الشعور بالنقص والخذلان.

"فلنبدأ الآن وندعو السيد كمال أن يلحق بنا في الطريق" ما رأيكم؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology