بقلم إيمان زيادة
تمهيد
يأتي كتاب نبض الياسمين بوصفه نصًّا أدبيًا-تربويًا يجمع بين البُعد الوجداني والبعد التوجيهي. فالكتاب يتخذ من الرسائل الأدبية وسيلةً للتواصل بين المؤلفة وابنتها، وهو بذلك يحيي تقليدًا أدبيًا قديمًا عرفته الثقافة العربية والإسلامية منذ "رسالة الغفران" لأبي العلاء و"رسائل إخوان الصفا" وصولًا إلى رسائل طه حسين وجبران. غير أن ما يميز هذا الكتاب أنه يتجه وجهةً أسرية حميمة، حيث تتحول الرسالة إلى جسرٍ تربويّ ينقل القيم الدينية والأخلاقية برقة الأم وصدق المحبة.
العنوان ودلالاته
العنوان نبض الياسمين ليس مجرد تسمية جمالية، بل هو مفتاح دلالي يضيء محتوى الكتاب:
"نبض": يحيل إلى الحياة، الديمومة، الحضور الداخلي العميق، أي أن الرسائل ليست كلمات عابرة بل حياة تنبض في روح المؤلفة وتنتقل إلى ابنتها.
"الياسمين": رمز عربي-شرقي ارتبط بالنقاء، العفة، الطهر، والانتماء إلى البيئة الدمشقية والشامية والفلسطينية التي اعتادت أن تتخذ الياسمين شعارًا للجمال الروحي. الياسمين هنا ليس مجرد زهرة بل قيمة رمزية، كأن الأم تقول لابنتها: "أريدك أن تكوني عطرة، نقية، بيضاء القلب والروح".
الجمع بين الكلمتين يمنح العنوان شعرية خاصة: نبض الياسمين يوحي أن الحروف ستأتي رقيقة كعطر الزهر، لكنها في الوقت نفسه حيّة وفاعلة مثل نبض القلب.
اللغة والأسلوب
اللغة التي كتبت بها المؤلفة رسائلها واضحة، سلسة، بعيدة عن التعقيد البلاغي المفرط، وهذا الاختيار واعٍ ومقصود: فهي تتوجه إلى ابنتها، إلى جيل يريد أن يسمع الكلمة مباشرة دون مواربة. يمكن وصف الأسلوب بأنه:
1. لغة وجدانية: إذ يفيض النص بمفردات الحنان والاحتضان: "ابنتي، حبيبتي، يا قطعة من قلبي..."، ما يجعل القارئ يحس أنّه يشارك في حوار أسري حميم.
2. لغة رقيقة سهلة: تخلو من المصطلحات الثقيلة، قريبة من لغة الرسائل الشخصية اليومية، لكنها تحمل في باطنها قيمة توجيهية.
3. لغة مشبعة بالرموز الدينية: تستحضر المؤلفة آيات قرآنية وأحاديث نبوية، لا بوصفها استشهادات جافة بل كجزء من نسيج النص، وهو ما يضفي شرعية روحية على الخطاب ويعطيه قوة الإقناع.
4. توازن بين العاطفة والعقل: فهي لا تكتفي بالوصايا الدينية، بل تربطها بالحياة اليومية وبأثرها على شخصية الفتاة وصورتها في المجتمع.
البنية والرسائل
الكتاب يتكون من رسائل متتابعة يمكن قراءتها بوصفها حلقات متصلة:
البعد الديني: الحث على الصلاة، الصدق، حفظ الجوارح، الحشمة، وتجنب ما يسيء إلى صورة الفتاة المسلمة.
البعد التربوي: نصائح حول اختيار الصديقات، قيمة الوقت، أهمية القراءة، بناء الطموح.
البعد الوجداني: كلمات حب واحتضان تذكر القارئ أن النص ليس خطابًا سلطويًا بل حوارًا يفيض بالمودة.
هذا المزج بين الدين والتربية والعاطفة يجعل الكتاب قريبًا من "الرسائل التربوية" التي عرفتها الكتابات الإسلامية، مثل تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة أو الأدب المفرد للبخاري، ولكن بفارق أن المؤلفة تعيد صياغة القيم بلغة معاصرة أنثوية حانية.
المقارنة والمرجعيات
يمكن النظر إلى هذا العمل في ضوء مرجعياته الأدبية والتربوية:
من جهة الأدب الرسائلي: يشبه رسائل مي زيادة وجبران في البعد الوجداني، لكنه يختلف عنها بوضوح الهدف التربوي والديني.
من جهة الخطاب التربوي الإسلامي: يقارب ما كتبه الغزالي في إحياء علوم الدين عن تربية البنات، لكنه يعيد صياغته بلغة رقيقة قريبة من الجيل الجديد.
من جهة الخطاب النسوي: نجد هنا صورة "الأم الموجِّهة" لا "الكاتبة المنظِّرة"، وهو ما يعطي الكتاب طابعًا عمليًا مباشرًا.
القيمة النقدية
ما يقدمه نبض الياسمين ليس مجرد نصوص وعظية، بل تجربة إنسانية مفعمة بالحب. أهميته تكمن في:
1. التأصيل القيمي: يربط بين النص الديني والواقع الحياتي.
2. الأسلوب: يجمع بين السهولة والجمال الشعري البسيط.
3. التجربة الإنسانية: ينقل علاقة أم بابنتها إلى فضاء الأدب، فيغدو الخاص عامًا.
غير أن القارئ المتطلب قد يلحظ بعض الملاحظات:
النص يميل أحيانًا إلى التكرار، وهو طبيعي في خطاب الأم لابنتها لكنه قد يقلل من القيمة الأدبية للنص إذا قرئ ككتاب متكامل.
يغلب عليه البعد الديني الأخلاقي على حساب البعد الجمالي الخالص، مما يجعله أقرب إلى النص التربوي من النص الأدبي المحض.
خاتمة
إن كتاب نبض الياسمين وثيقة أدبية-تربوية تجمع بين حرارة الرسائل وعذوبة اللغة ونقاء الرؤية. إنه "نبض" حقيقي، لا يقتصر على علاقة أم بابنتها، بل يتوجه إلى كل قارئة تبحث عن قدوة، وإلى كل قارئ يريد أن يلمس أثر الكلمة الصادقة. في زمن تتزاحم فيه الخطابات المتناقضة، يقدم هذا الكتاب صوتًا نقيًا، بسيطًا، عطرًا كالياسمين، حيًا كنبض القلب.