بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة
هناك لحظة في حياة كل إنسان تصبح فيها كلمة "كفاية" أعظم من ألف انتصار، لحظة تتجرد فيها الروح من كل محاولات الإرضاء القسري، من كل استنزاف خفيّ يرتدي أقنعة الحب أو الواجب أو الخوف من الخسارة، لحظة يعلو فيها صوت القلب على صخب العلاقات والمجاملات، فيعلن بلا وجل: أنا مش مضطر
الاستغناء ليس هروبًا ولا ضعفًا كما يتوهم البعض، بل هو أعلى درجات الوعي، أن تدرك أن البقاء في علاقة تؤذيك أو في مكان يقتل سلامك النفسي خيانة لنفسك، أن تستوعب أن قوة الإنسان الحقيقية ليست في احتماله بلا نهاية، بل في اختياره أن يتوقف حين يهدد الاستمرار قيمته وكرامته
في لحظة الاستغناء يولد نوع نادر من الحرية، حرية بلا صراخ، بلا تحدٍ، بلا حتى رغبة في التبرير، حرية ناعمة تشبه طمأنينة الطفل النائم، كأن قلبك أخيرًا وجد مساحة يتنفس فيها بلا خوف، كأن دماغك التي أثقلتها الحوارات العقيمة هدأت، كأن روحك التي كانت تصرخ في صمت بدأت تستعيد نبضها الأول
الاستغناء قرار يشبه أن تطفئ ضجيج المدينة لتسمع دقات قلبك، أن تغلق أبوابًا لم تُخلق لتُفتح إلا على التعب، أن تعود إلى ذاتك التي طالما أجلتها حتى تستقر حياة الآخرين، لتدرك أن لا أحد يستحق أن تدفع له راحتك النفسية ثمنًا، وأن أثمن ما تملكه ليس قدرتك على التحمل، بل قدرتك على الحماية
ليس المطلوب أن تشرح، ولا أن تبرر، ولا حتى أن يفهم أحد، يكفي أن تفهم أنت لماذا تفعل ذلك، أن ترى قيمتك بوضوح، أن تنحاز لقلبك بلا شعور بالذنب، أن تضع راحتك فوق كل الضجيج العاطفي والاجتماعي الذي يحاول أن يملي عليك أين تبقى ومتى ترحل
تلك اللحظة التي تسأل فيها نفسك بهدوء: هل أنا مستريح؟ ثم تأتي الإجابة الصادقة: لا، في تلك اللحظة لا يكون هناك أغلى ولا أشجع ولا أصدق من أن تقول للعالم، بابتسامة هادئة وظهر مستقيم، شكرًا، لن أكمل، أنا اخترت أن أشتري سلامي النفسي، وأن أعود إلى نفسي، لأنني أخيرًا أدركت أن لا شيء يساوي قلبي حين يهدأ