عمان – عمر أبو الهيجاء
عقدت جائزة الكتاب العربي حلقة نقاشية عبر الإنترنت، تحت عنوان "جهود دور النشر في صناعة الكتاب العربي: التحديات والتطلعات" بمشاركة 6 من أبرز الناشرين وصناع الكتاب في قطر والعالم العربي.
وتناولت الندوة التي أدارتها الدكتورة امتنان الصمادي المنسقة الإعلامية للجائزة، هوية دار النشر في العصر الرقمي، والتحديات المعاصرة في صناعة الكتاب، والتطلعات في عالم النشر، وسبل التعاون بين دور النشر من أجل النهوض بصناعة الكتاب.
وفي كلمته الافتتاحية قال الدكتور ناجي الشريف، المدير التنفيذي لجائزة الكتاب العربي، إن الجائزة أنشئت لتكريم الكتاب والكتاب في ميدان العلوم الإنسانية وتكريمهم في فئتي الكتاب المفرد والإنجاز سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات، وإنها تسعى لتكون جزءا فاعلا من الحراك الثقافي الذي يصنع الكتاب العربي ويرتقي به إلى المنافسة والعالمية شكلا ومحتوى.
وأضاف أن "الكتاب العربي يسعى لحضور مميز على الساحة العالمية، ودور النشر هي النبض الحي في صناعة الكتاب لأنها مرآة تعكس هوية الأمة، ونافذة للمعرفة".
من جانبه، أشار السيد ماهر الكيالي، مدير عام المؤسسة العربية للدراسات والنشر في الأردن ضمن مداخلته إلى كثرة عدد دور النشر العربية في الوقت الحالي في مختلف البلدان العربية، حيث تبلغ في مصر وحدها نحو 1500 دار نشر، مبينا أنه رغم ما يحمل هذا الانتشار من إيجابيات ظاهرية، فإنه قد يؤدي إلى حالة من الفوضى والتشتت إذا لم يصاحبها تعاون فعال وحقيقي بين دور النشر والمؤسسات المعنية.
واعتبر الكيالي أن التحدي الأكبر هو تآكل قاعدة القراء حيث كان يتم طباعة أكثر من ثلاثة آلاف نسخة في السبعينيات في حين يطبع اليوم ألف نسخة فقط، ما يعكس تغيرات ثقافية ملحوظة.
كما أشار مدير عام المؤسسة العربية للدراسات والنشر في الأردن في هذا الصدد إلى وجود نقص في التنسيق بين معارض الكتب العربية.
أما الأستاذ سالم الزريقاني مؤسس ومدير دار الكتاب الجديد المتحدة في لبنان، فقد تحدث عن المنتج الثقافي نفسه، منتقدا التراجع في جودة الكتاب العربي، وبين أن ما تقدمه التكنولوجيا من وسائل يجب ألا يؤثر سلبا على جودة النص.
وطرح فكرة النشر المتخصص حلا للخروج من حالة النشر العشوائي، محذرا في الوقت ذاته من نشر أعمال لا تقدم إضافة معرفية حقيقية.
كما تطرق الزريقاني إلى وجود خطر جديد يهدد جودة المحتوى، وهو الاعتماد المتزايد على الترجمة الإلكترونية أو الآلية، حيث يستخدم بعض المترجمين هذه التطبيقات في إنتاج نصوص تفتقر إلى الدقة وتعاني من التشويه.
كما نوه بوجود تحديات تتعلق بقوانين الطباعة والنشر التي تحتاج إلى تحديث يواكب العصر الرقمي، إلى جانب صعوبات أخرى بشأن فرض الجامعات لشروط الترقيات الأكاديمية والبحث عن التصنيف وهو ما يضطر الباحثين إلى نشر أبحاثهم وكتبهم في دور عالمية حتى إن كان ذلك مكلفا ما دام يحقق شروط الترقية الأكاديمية.
من جهته، قدم الأستاذ محمد البعلي مدير دار صفصافة للنشر في مصر، رؤية استشرافية من خلال تجربة الدار التي انفتحت على آداب الشرق الأقصى عبر ترجمة سلاسل الأدب الكوري والصيني بالتعاون مع مؤسسات كورية وصينية، لتعريف القارئ العربي بأدب هذه البلدان ونتاجها الفكري والسياسي والاجتماعي، مبينا أنها تشهد إقبالا متزايدا من الجمهور العربي.
ووصف صناعة النشر بأنها صناعة ثقافية إبداعية تقف بين حدود الصناعة التي تهدف إلى إسعاد الناس، وبين الرسالة الأكاديمية التي تسعى لخلق المعرفة، مشددا على ضرورة الموازنة بينهما.
وأكد أهمية التشبيك مع المؤسسات الرسمية والأهلية، الثقافية والتعليمية المختلفة، بالإضافة إلى أهمية التواصل مع الجيل الرقمي الجديد لتطوير القطاع ومواكبة التحولات الحديثة.
بدورها، قالت الدكتورة عائشة الكواري مؤسس ومدير دار روزا للنشر إن دار النشر اليوم، لم تعد مهمتها طباعية فقط، وإنما تحولت إلى مؤسسة متكاملة في صناعة الكتاب، فهي تقوم بدور التحكيم والتدقيق والطباعة والنشر والتوزيع والتسويق فضلا عن البصمة الثقافية.
وأضافت أن دار النشر هي صانعة محتوى بكل معنى الكلمة، فهي تقدم الكتب الصوتية والسمعية وتسهم في تحويل كثير من الكتب إلى أعمال درامية وتلفزيونة.
وأشارت إلى أن دور النشر أصبحت مسؤولة عن اكتشاف المبدعين والمواهب وحراسة الثقافة، وتصنع المحتوى حين تحول الفكرة الأولية عند المؤلف إلى كتاب ثم إلى عمل مسموع أو مرئي، مشددة على أن التحول الرقمي ليس تهديدا بقدر ما هو فرصة هائلة إذا أحسن استغلاله.
وتابعت أن دور النشر جزء من الانفجار المعرفي، ولا بد أن تعاد صياغة رسالتها وأن تكون متفاعلة مع الجمهور ومع كل تطور جديد وأن تكون مواكبة للتطور الحاصل، والاستفادة من التكنولوجيا التي وفرت خدمات هائلة في ذلك وأحدثت تحولا كبيرا في صناعة الكتاب والنشر.
وبدوره، تحدث الدكتور باسم الزعبي مدير دار الآن ناشرون وموزعون في الأردن عن وجود تحديات تواجه قطاع النشر منها قديمة، وأخرى أفرزتها التكنولوجيا، ومن أبرزها تراجع اهتمام الناس بالقراءة، و كذلك دور المؤسسات الثقافية والتعليمية في التحفيز على القراءة بما يتناسب وحجم التحديات الراهنة، محذرا من ظاهرة الأمية الثقافية بين الجيل الجديد.
كما حذر من تفاقم عمليات السطو المعرفي والقرصنة الإلكترونية التي تقتل الصناعة ببطء وتثبط عزيمة المؤلفين والناشرين على حد سواء.
واختتمت المداخلات، بشهادة من السيد محمد بن سيف الرحبي مدير مؤسسة اللبان للنشر في سلطنة عمان الذي روى كيف أسس دار نشر في ظروف استثنائية أيام انتشار وباء كورونا، عندما كانت الحياة تغلق أبوابها.
وقال الرحبي: "دخلت عالم النشر محبا وكاتبا ولا علاقة لي بالنشر من حيث هو صناعة"، معتبرا أن تجربته دليل على أن النشر فعل مقاومة ثقافية، فقد استمر رغم الصعوبات"، لافتا إلى المفارقة التي يعيشها الناشرون حيث إن عدد الراغبين في كتابة ونشر كتبهم أكبر بكثير من عدد القراء والمشترين.