الكاتب بلعربي خالد (هديل الهيضاب)
قصة قصيرة خيالية
في أقصى الأرض، حيث لا تصل الرياح إلا منهكة، قامت بلدة تُدعى " أسغارد". لم تكن كذلك دائمًا، لكنها صارت كذلك حين بدأ الماء يتبخر من الآبار، والكلأ يذبل في الحقول، والنحل يختفي من الأزهار كأن الطبيعة قررت أن تسحب توقيعها من هذا المكان.
الخوف كان سيد البلدة. لم يعد الناس يتحدثون عن الحب أو الأمل، بل عن "الغد" الذي صار وحشًا مجهولًا يلتهم كل يقين. الأوبئة تكاثرت، والأمراض صارت ضيفًا دائمًا في كل بيت، حتى قرر مجلس الحكماء قرارًا غريبًا:
"نأكل الموتى."
ليس قتلاً، بل استهلاكًا للحوم من استوفاهم الله، وتخزينها كمخزون احتياطي. كانت الفكرة تبدو منطقية في البداية، فالجوع لا يرحم، والموتى لا يشتكون. لكن الجشع لا يعرف حدودًا.
بدأ البعض يقتل كبار السن "قبل أن يموتوا طبيعيًا"، ويختطف الأطفال حديثي الولادة "قبل أن يكبروا ويستهلكوا"، ويسيطر على المستشفيات "قبل أن تُغلق أبوابها".
تحولت البلدة إلى مسرحٍ للرعب، حيث تُقاس قيمة الإنسان بكمية اللحم التي يمكن أن تُخزن منه.
ظهرت ميليشيات تُدعى "الحماة"، لكنها كانت تحمي فقط مصالحها. وظهرت طوائف تؤمن بأن أكل البشر هو "تطهير"، وأخرى ترى أنه "عقاب إلهي".
انهارت السلطة، وصار كل بيت قلعة، وكل شارع ساحة حرب.
وفي النهاية، حين بدأ الناس يأكلون من المخزون البشري، ظهرت أعراض غريبة:
حمى لا تُطفأ، نزيف داخلي، وهلوسات عن وجوهٍ كانت تُصرخ في الظلام.
ثم اكتُشف أن اللحوم كانت تحمل فيروسًا قاتلًا، لا دواء له، لا شفاء، لا مهرب.
مات الجميع، إلا الأرض.
وبقيت " أسغارد " اسمًا على حجرٍ مكسور،
وشهادةً على بلدةٍ أكلت نفسها خوفًا من أن يجوع أبناؤها.