قصة قصيرة – بقلم: بلعربي خالد (هديل الهضاب)
في بلدة صغيرة، حيث تتقاطع أحلام الشباب مع واقع الحياة القاسي، كان يعيش شاب اسمه إسماعيل.
تخرج حديثًا من الجامعة بشهادة ماجستير في العلوم الاقتصادية، تخصص التجارة الدولية. كان يحلم بأن يسافر يومًا إلى الخارج ليبني لنفسه حياة كريمة، لكن الواقع كان أقسى من الحلم؛ فلا وظيفة تناسبه، ولا فرصة تُنصف طموحه.
اضطر إسماعيل إلى العمل في مطعم شعبي، يحمل الصحون ويقدّم القهوة للزبائن الذين يتحدثون عن أسفارهم وأحلامهم، فيما كان يخفي وراء ابتسامته حسرات لا تُقال.
كان يدّخر كل دينار، يقلل مصروفه، ويقنع نفسه بأن الصبر طريق النجاة.
مرّت الأشهر، وقدّم طلبات تأشيرة إلى أكثر من قنصلية أوروبية، لكنها كانت تُرفض جميعها بلا سبب واضح. ومع كل رفض، كان الأمل يخبو أكثر فأكثر، حتى تسللت إلى قلبه فكرة متهوّرة: الهجرة السرّية.
اتصل بوسيط يُعرف بأنه "يُنجز الأمور بسرعة". باع ما تبقّى من أحلامه على هيئة مجوهرات والدته، واقترض من أصدقائه، ودفع المبلغ المطلوب.
ثم… اختفى الوسيط.
في البداية، ظنّ إسماعيل أن الأمر سوء تفاهم، لكنه حين لم يجد له أثرًا، بدأ الخوف يتسلل إلى نفسه. وبعد أيام من البحث المحموم، وصله اتصال غامض يخبره أن الوسيط يحضر حفلاً في غابة قريبة.
انطلق مسرعًا، يلهث وراء خيط أمل.
حين وصل، كان الضحك يعلو المكان، والموسيقى تصدح بين الأشجار. وسط الحشد، لمح الرجل المطلوب.
اقترب منه بخطوات غاضبة، وصاح فيه متهمًا إياه بالخداع. لكن الوسيط أنكر كل شيء، وكأن إسماعيل مجرد مجنون يتوهم.
اشتعلت الدماء في رأسه، دفعه بعنف… فسقط الوسيط على حجر كبير.
سادت لحظة صمت، ثم تلتها صرخات فوضى.
الدماء سالت، والأعين اتسعت رعبًا.
تجمّد إسماعيل في مكانه، يداه ترتجفان.
قبل أن يستوعب ما حدث، كان رجال الشرطة قد طوّقوا المكان.
شهادات الزبائن، نظرات الاتهام، الأصفاد الباردة على معصميه…
كل شيء حدث بسرعة مذهلة.
هكذا وجد نفسه خلف القضبان، يحاكم بتهمة القتل.
جلس في الزنزانة، رأسه بين يديه، يردد بصوت مبحوح:
"لم أكن أريد سوى حياة أفضل… فقط حياة أفضل."
ثم، فجأة، دوّى صوت صراخ بعيد… وصوت مياه تتدفّق…
فتح عينيه مذعورًا.
كان في سريره، يتصبب عرقًا، وأنفاسه تتلاحق.
على الطاولة بجانبه، كانت أوراق طلب التأشيرة لم تُملأ بعد، وملفّ الجامعة ما زال مفتوحًا.
أدرك حينها أن كل ما جرى لم يكن سوى كابوس ثقيل…
كابوس صاغه الخوف واليأس، وتركه يتيقّن أن طريق الحلم يبدأ بالواقع، لا بالهروب منه.
ابتسم بخفة، نهض من سريره، وفتح النافذة ليدخل نور الصباح.
كانت المدينة تستيقظ، وكان هو أيضًا… يستيقظ من كابوس اسمه الهروب