محمد فتحى السباعى
أعودُ إلى انكساراتي،
وأجمعُ ما تبقّى من لغاتِ الريحِ
في كفّي،
وأمنحُ جمرتي
فرصاً أخيرةً كي تستعيدَ
وظيفتَها القديمةَ في احتراقي.
الآن يا أبتي
يمرُّ الصوتُ من ثقَب النهاياتِ
التي نسجتُها أمساً
على وترٍ مُبلَّلٍ بالخوفِ،
ثم أقولُ:
ما زالتْ قصيدتُنا تُقلِّبُ موتَها
وتجرُّ خلفَ شظايانا
رائحةَ الترابِ بلا مَشاقي.
لا شيء لي،
إلّا هواجسُ نبرةٍ
ظنّتْ بقايا الضوءِ
باباً للنجاة،
فدخلتُهُ
كي أستعيدَ بأنفاسي
مِلحَ البلادِ
وأرواحَ الذين تقاسموا
وجعي وعناقي.
لا شيء يا أبتي
سوى هذا الممرِّ إلى الرماد،
أعبرُهُ
قربَ اشتعالِ المعنى،
فتنبتُ في يدي
أُخرى
وتنكسرُ القصائدُ
حينَ تلمحُ شكلَ ظلّي
وهو يهربُ من سياقي.
وأرى السماءَ
وهي تهبطُ في مخيلتي،
وتقولُ لي:
أمسكْ بنجمتكَ الأخيرةِ
كي تكمّلَ دورةً
كانت تُربّي في سكونِ الماءِ
أسبابَ الغيابِ
وتُنشئُ للمجازِ
سلالمَ التكوينِ
كي يجدَ الطريقَ إلى اتساقي.
ثم انثنتْ
لغةُ الحنينِ على رُكامي،
وامتدَّ ليلُ المرثياتِ إلى عظامي،
فعرَّيتُ احتمالي،
وقلتُ للظلِّ المسافرِ في قصيدتِنا:
تعالَ…
لنكتبَ من بقايا صمتِنا
جسداً
نسيرُ عليه نحو الفجرِ
بعضاً من رفاقي.
لا شيء يا أبتي
سوى أني أُعمّدُ جرحَ روحي
بالضياءِ الذي هربَ الذينَ أحبُّهم
إليه،
وأترُكُ للقصيدةِ
أن تُقَدِّمَ موتَها
ليعودَ ميلادُ المعاني
في دَمامي.
