ا
بقلم الزهرة جاب الله /الجزائر
- العنوان: المتوارون.
- نوع الكتاب: رواية أدب الفنتازي (فلكلور).
- عدد الصفحات 346.
- المؤلفة: يمينة بوراية.
- اصدار 2025.
يتنوع الأدب الفنتازي (الفلكلور الشعبي) من منطقة لأخرى، ويتمايز ويتفرّد حسب إختلاف حياة الشعوب وتاريخها العريق، نكتشف به ما كان يختبئ من تراث وعادات وخرافات وحكايا تذوب وتنسهر داخل حياة مجتمعات تلك الشعوب.
ومن خلال رواية المتوارون وبأسلوب شيّق سلس دون تعثر تعبر بنا الروائية يمينة بوراية نحو أزمنة وأمكنة تحمل حكايات غامضة غربية صادمة تخفق له القلوب وتتطلب خيالا واسعا وتأملا وتفكير، روتها جدّتها لها في طفولتها، ليعود كل الفضل للجدّة في كتابة هذه الرواية الصاخبة بالرعب، فكانت كباب أول فتحته لنا تسرد فيه كل تلك العجائب تتعدى المنطق على لسان بطلة روايتها تالة معنى اسمها النبع الصافي.
تشرّع نافذة سردها على جمال منطقة تيزي وزو أين ولدت وترعرت بين أحضان الطبيعة النابضة بالخضرة والجمال الرباني، والجبال الشاهقة والغابات الكثيفة والشمس الذهبية، والثلوج والخير الذي ينعم به أهلها من زرع وثمر و ماشية وحليب ومياه عذبة، وماكولات تقليدية شهية وملابسهم مفعمة بالألوان لكل لون معنى مؤخوذ من الطبيعة...وحلي ابدعت في صنعه الأيادي....
وهي عائدة إلى قريتها مع زوجها يوسف بعد غياب دام سنين، ترجع بلهفة العاشق المغترب لبلده، لتبدأ في كشف الأحداث تتصاعد كلما توغلت في مدينة نحو بيت جدّتها، أحداث تشدّك من أول وهلة محورها حكايات جدتها في طفولتها حيث كانت متعلقة بها وتنام في حضنها فتسمعها رويات قديمة عن المخلوقات الغربية التي عاشت منذ آلاف السنين في منطقتهم...كانت تلك الكائنات تخيف الناس وترعبهم وتنهي حياتهم ممّا جعلهم يدفعون لها قرابين لضمان أنها لن تؤذيهم، فتَذكُر مسْتذكِرة عدّة عادات وتقاليد منها من اندثرت ومنها ما تزال لكنها أخذت منحى آخر في الفهم والعقل، حيث أصبحت احتفالا لأجل السعادة والبهجة لا لأجل القربان والشرك.
عند وصول تالة القرية تكتشف الكثير من الأمور الغامضة والمخيفة تُطارد من طرف أطياف تظهر وتختفي تسمع أصوات وحركات وظل وخيالات، تعيش الخوف الشديد والرعب والهلع والذعر يكاد يقتلها. خالتها وكل الأهل يطلبون منها المغادرة لكن تريد أن تعرف الحقيقة أن تدوّن ذلك وتوثقه وتنشره، فتقحم نفسها في دوامة لا مخرج منها تُهدّد من طرف المسوخ والأرواح العائدة من الموت، تبحث تتعثر تسأل لكن الجميع يخفي سرا غامضا تجهله هي، تغامر بحياتها تتجه نحو الغابة بعد الكثير من الأحداث والمغامرا المخيفة كادت أن تفقد صوابها وحياتها من خلالها، رعب حقيقي تحاول قدر المستطاع أن تتحداه أن تهزمه تسمي تلك المخلوقات بمسميات قديمة من طرف سكان المنطقة مثل "التساريل"، تتحصن بالقرآن بالدعاء، فهناك الكثير من اختفى في ظروف غامضة، وهناك من مات بشكل غريب. وكل ما كان يحدث لها من خوف ورعب جعلها تتمسك أكثر بإيمانها وتقويه بذكر الله فالأرواح الشريرة تبتعد عن ذاكر الله.
زوج خالتها العائد من الموت بطريقة غامضة يأخذها أخيرا إلى المكان الذي تحدث فيه مجزرة عنيفة بين سكان المنطقة والمسوخ بعد صحوتهم بأنهم كان مسيطر عليهم من قبل مسوخ ضعاف حقا يدّعون القوة والهيمنة، وصف دقيق للغابة للأمكنة للكهف لأشكال المسوخ المريعة وتصرفاتهم وكلامهم يجعلك تعيش كل تلك التفاصيل رغما عنك تتقزز تخاف وتغضب وتتعاطف....
هناك تكتشف الحقيقة بعدما دخلت المنطقة المحرمة من الغابة مكان المسوخ أعداء البشر وتجد زوجها الذي اختطف من طرفهم وساوموها به، قررت إنقاذه، ليخبرها زعيمهم أن جدتها كانت منهم لكنها هربت وتعايشت مع البشر فكانت البطلة تالة تحمل دماء هؤلاء وعليها أن تصبح ملكتهم لانقاذهم. صدمت لذلك لكنها رفضت وبعد مراوغات تمكنت من هرب بزوجها المنهك. ثم تواصل تسارع الأحداث وتتوالى المفاجآت المخيفة المرعبة التي لا تتوقف على افجاع البطلة، دون هوادة تجعلنا نمسك أنفسنا لشدّة وقعها على النفس، كمّ هائل من البشاعة تحملها تلك المخلوقات التي تروي عنها بأنها كانت ذات زمن تهيمن على المنطقة برمتها، لتنهي الرواية بالخلاص البطلة من دم المسوخ الذي كان يسري في عروقها وكشفها لزوجها الذي بدأت تظهر عليه أشياء غريبة أنّه لم يكن هو فتصدم بحق...وتختم الرواية المرعبة المشدّة للقراءة لكثرة تصاعد الأحداث، وكثرة المفاجئات التي تتداخل وتتشابك مرحلة بعد أخرى في كل فصل منها.
لكن رغم كل ذلك الهول المخيف داخل الرواية إلا أنّ الروائية يمينة بوراية كانت كلما أدخلتنا دائرة الرعب ونشعر بالتوتر تلطف أجواء القراءة بأجواء عبقة من عادات وتقاليد منطقة تيزي وزو التي تزخر بالكثير من الجمال والغنى والتّنوع، فتذكر تارة أكلة تقليدية ومكوناتها أو لباس تقليدي أو حليّ وتذكر تاريخة ومعتقده فيه، وتجوب بنا بين تضاريس المنطقة فنأكل معها العنب والتوت والتين، ونشرب معها من النبع الصافي ونتجول معاها بين أزقة القرية الحجرية النظيفة المليئة بالأزهار والرسومات التي تفننت فيها نساء القرية، ونشم رائحة الآغروم الشهي وندخل عرسا نزهو مع أهل القرية ونتذوق معهظ الكسكس القبائلي الشهي والشواء، ولحظات رومانسية مع زوجها يوسف. كما أنها لم تترك فصلا إلاّ وكتبت مسميات بالقبائلية وترجمتها للعربية، فتجد نفسك تتعلم منها الكثير، فتشعر بالتغير والانجذاب معا بهذا الأسلوب الجيّد في سرد الحبكة الكثيفة. كما نجد عدّة معلومات فيها سواء فلسفية أو علمية وكذلك تتخلّلها عدة رسائل تحمل المحبّة والانتماء والتعايش والوحدة والخير.
- رواية المتوارون هي رحلة دون تذكرة نحو جمال منطقة عذبة المناخ، وحكايا غامضة تستفز خوفك وترقبك...
-


