الشاعر

 

 


بقلم  محمد فتحي السباعي 

قصة قصيرة

كان يجلس في ركنه الصغير في كلية الهندسة، بين دفاتر الرسم والكلمات، شاعرًا يحلم بالزعامه بالكلمة، لكنه عانى من شعور الفشل بعد ضياع حمله في التغيير. لم يكن الفقد الوحيد، بل فقد حبيبته الأولى في المظاهرات ووالده الجندي الذي استشهد في سبيل الوطن. وجدته التي أحبها لم تعد، وبقي وحده مع صحراء اليأس.


لكن وسط هذا الظلام، ظهر نور جديد: ياسمين، متعددة المواهب، ترسم، تكتب، وتغني، وتؤمن بقوة التغيير. عبر محادثاتهما الطويلة على الفيس بوك، كان كل حديث معها كنسمة هواء جديدة في قلبه، يروي روحه ويشعل فيها شعلة الإبداع.


في الكلية، كان عليه مواجهة حرب أدبية مع زملاء النقاد، بعضهم حاول تقويض ثقته، وآخرون سخروا من أسلوبه الجديد، لكنه تعلم كيف يحول النقد إلى وقود للكلمة. كل سطر يكتبه أصبح سلاحه في معركة البقاء على قيد الإبداع، كل امتحان أكاديمي كلّفه جهده ولكنه أكسبه صبرًا وعزيمة.


كانت ياسمين دائمًا مرآة روحه، تنير أفكاره وتكشف له الجمال في التفاصيل الصغيرة، في رسماتها وفي أحاديثها العميقة. ومع كل يوم، كان يجد نفسه يغوص أكثر في الكلمات، يحاول إعادة بناء عالم فقده، ويثبت لنفسه أن الثورة بالكلمة حقيقية، حتى لو لم تصل إلى العالم الخارجي.


الصراع لم يكن فقط مع الآخرين، بل مع ذاته: خوف من الفشل، شعور بالوحدة، وذكرى الحبيب الأول ووالده. ومع ذلك، كل كلمة يكتبها كانت تنقله خطوة نحو الانتصار على الفقد والظلام.


وفي يوم مشمس من أيام الجامعة، جاء الوداع: ياسمين ستسافر، وسيتركها وراءه بعد سنوات من المحادثات والتشجيع والدعم المتبادل. لكنه عرف أن حبه للكلمة وحلمه بالإبداع سيبقى خالدًا، وأن كل نص كتباه معًا على الفيس بوك كان سيفًا وقوةً في وجه صحراء اليأس.


خرج من الكلية، يشعر بثقل الحنين، لكنه مستعد ليبدأ فصلًا جديدًا، يحمل روحه المليئة بالنور، الكلمات، والإبداع. لقد عرف أن الحرب الحقيقية ليست مع الناس، بل مع الخوف والفقد، وأن الانتصار الحقيقي هو أن تستمر الكلمة في الحياة، مهما طال الظلام.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology