بقلم: ياسر زكي
يمر الإنسان أحيانًا بلحظات عصيبة تضع ثقلا كبيراً على روحه، تجعله يتمنى الهروب من آلامه بأي وسيلة، حتى لو كان هذا الهروب يعني انتهاء حياته. قد يُظهر الشخص قوة هائلة في مواجهة المصاعب الكبيرة، لكنه يُثقل عند أبسط المشكلات، لأن النفس تكون منهكة من التراكمات.
لا شك أن الشعور باليأس والحزن الشديد جزء مؤلم من التجربة البشرية، وهو أحيانًا ترجمة واضحة لحجم الألم الذي يعيشه الفرد. ومع ذلك، فإن تلك المشاعر القاسية ليست نهاية الطريق؛ دائماً هناك أمل، دائماً هناك فرج ينتظر بعد العسر.
في لحظات الشدائد الكبيرة، قد يُغشى على القلب بظلام اليأس، لكن هذه اللحظات قد تكون بداية النور والخير القادم. الصبر في هذه الأوقات ليس مجرد فضيلة، بل هو سلاح يعيد للروح توازنها. الدعاء وطلب المعونة من الله والتمسك بحبله هي السبيل للنجاة؛ فمن يقدر على رؤية النور وسط العتمة هو ذلك الصابر المثابر.
عنوان المقال "يا ليتني مت قبل هذا" مستوحى من كلمات السيدة مريم العذراء الواردة في سورة مريم.
فقد جاء هذا التعبير عن شفافية مشاعر مريم عليها السلام عندما عبرت عن أمنيتها بالموت قبل مواجهة الموقف الذي حملها ما لا تطيق، الموقف الذي رأت فيه أن كرامتها ومسيرتها قد تُهددان أمام الناس. كانت مشاعرها انعكاساً لخوفها من الفضيحة والمجتمع، خاصةً وهي بعيدة عن أهلها.
في أوج الألم والخوف أثناء ولادتها لعيسى عليه السلام، وفي ظل أنها كانت تعلم أنها ستكون محط أنظار وتساؤلات كل من حولها، قالت: *"يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً"*. تعبيرها لم يكن اعتراضاً بقدر ما كان بوحًا يبدأ به من يعاني شدةً تفوق قدرته. أرادت أن تخبو ذكراها، أن تُمحى وكأنها لم تكن قطّ، لتفلت من وطأة قسوة البشر وألسنتهم.
لكن في أشد الظلمات جاء صوت الطمأنينة من ربها: "فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً". كانت تلك الكلمات برداً وسلاماً على قلب مريم، رسالة رحمة وسلوى تعيد إليها الأمل وتخبرها أن الحسابات الإلهية أعظم من فهم البشر، وأن النور سيأتي حتماً بعد العُسر.
هكذا هي رسالة هذه الآية وهذه القصة العظيمة؛ لا يأس مع رحمة الله. مهما طالت أحزان الإنسان وتجمدت لحظات اليأس في قلبه، فإن بعد كل عسر فرجًا منتظرًا. هناك دائماً فسحة من الأمل وردًا جميلًا يروي عطش الناجين للصبر والإيمان. احتضنوا الرجاء، فلعلّ طريق الضيق يقودنا إلى أوسع خيرات الله وتوفيقه.
