بقلم د. مجدولين منصور
في الوقت الذي تبدو فيه قبلة الأم فعلًا بسيطًا لا يستغرق ثوانٍ، يكشف العلم الحديث عن حقيقة مدهشة: هذه اللمسة الحنونة تُحدث سلسلة من التفاعلات العصبية الحيوية التي تُعيد ضبط كيمياء الجسد، وتبني لدى الطفل نظامًا داخليًا متينًا للأمان والثقة.
تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أنّ لحظة ملامسة الأم لجبين طفلها تُفعّل إفراز هرمون الأوكسيتوسين—أحد أهم الناقلات العصبية المرتبطة بالحب والارتباط. هذا الهرمون، الذي يُسمّى شعبيًا “هرمون العناق”، يهدّئ الجهاز العصبي اللاإرادي ويُخفّض مستويات التوتر، مما يمنح الطفل حالة من الاسترخاء العميق. كما يُفرز الأوكسيتوسين في جسد الأم أيضًا، الأمر الذي يعزّز علاقتها العاطفية بطفلها ويزيد من حدّة استجابتها لرعايته.
وتُظهر النتائج العلمية أنّ هذه اللحظة الصغيرة تُنَشِّط مراكز المكافأة في الدماغ، مما يُشعل مشاعر الفرح والطمأنينة، فتبدو القبلة وكأنها رسالة لا تُقال بالكلمات:
"أنت لست وحدك… أنا هنا."
لكن التأثير لا يتوقف عند حدود اللحظة؛ فدماغ الطفل يملك قدرة هائلة على الاحتفاظ بهذه الخبرات في ما يُعرف بـ الذاكرة العاطفية طويلة الأمد. هذه الذاكرة تصبح، مع مرور الزمن، درعًا نفسيًا يحمي الطفل من القلق، ويعزز مهاراته في التوازن الانفعالي، ويرفع قدرته على مواجهة المواقف الضاغطة بثقة أكبر.
إن قبلة الأم تعمل—من منظور علمي—كنوع من “العلاج العصبي الطبيعي”:
تنظّم نبضات القلب، تُخفض مستويات الكورتيزول، وتدعم تطوّر الروابط العصبية المسؤولة عن الشعور بالأمان والانتماء. كل هذا يحدث دون أن تنطق الأم كلمة واحدة، فالحنان هنا يُترجمه الجسد قبل العقل، وتفهمه روح الطفل قبل وعيه.
قبلة الأم ليست مجرد عادة يومية…
إنها لغة بيولوجية مقدّسة صمّمها الله في أجسادنا لتكون جسرًا بين الأم وطفلها، ولتعلن في كل مرة:
"ما دمت في حضني… فأنت بخير."
اللهم احفظ أمهاتنا، وبارك في دفئهنّ، واجعل قبلاتهنّ نورًا يرافق أبناءهنّ مدى الحياة.
