بقلم. المهندسة شهد القاضي
كان الصباح قد أطلّ بلونٍ رماديٍّ باهت، كأن الشمس تخاف أن تلمس جدران ذلك البيت.. أفاقت ليلى على صوت خطواتٍ خافتة تتجوّل في الطابق العلوي... خطواتٌ مترددة، ثقيلة، كأنها تحمل تاريخاً كاملاً من الألم.. ظنّت أول الأمر أنها تتوهم، فكل ليلة منذ دخولها هذا البيت، تسمع شيئاً جديداً: همساً، طرقاً، بكاءً، أو صدى خطواتٍ مجهولة المصدر.
قررت أن تصعد... كانت السلالم تصدر أنيناً تحت قدميها، كما لو كانت تتوسل منها ألا تتابع... وفي نهاية الممر العلوي، كانت هناك غرفة واحدة مغلقة منذ البداية... بابها من خشبٍ أسود متشقق، عليه قفل قديم صدئ، وحوله علامات غريبة محفورة كأنها رموز من طلاسم قديمة.
في الليلة السابقة، أخبرها جارٌ عجوز أن صاحب البيت السابق كان ينام في تلك الغرفة... وأنه مات فيها دون أن يُعرف السبب.. وقال لها بحذر:
"لا تفتحيها... فكل من حاول، لم يعُد كما كان"
لكنّ ليلى لم تقاوم فضولها... أحضرت مطرقة، وضربت القفل.. صوت الطَّرق تردّد في كل أرجاء البيت، حتى شعرت أن الجدران تتنفس غضباً... وحين سقط القفل أخيراً، فتح الباب ببطء... وأطلق هواءً ثقيلاً كأنه تنفّس ظلمة عمرها قرن.
كانت الغرفة شبه خالية، إلا من مرآةٍ كبيرةٍ مغطاةٍ بقماشٍ أسود، وسريرٍ خشبيٍّ تآكلت أطرافه.. اقتربت منها... لكنّ الهواء تغيّر فجأة، أصبح بارداً لدرجة أن أنفاسها تحولت إلى بخار... كانت تشعر بأن أحداً يراقبها من خلفها... نظرت إلى المرآة المغطاة، وشيءٌ في داخلها همس لها أن ترفع القماش... وفعلت.
كانت تلك اللحظة بداية اللعنة... في المرآة، لم ترَ انعكاسها فحسب... بل وجهاً آخر خلفها، باهت الملامح، يبتسم ابتسامةً ملتوية... التفتت سريعاً، فلم يكن هناك أحد.. لكنّ انعكاس المرآة لم يتحرّك معها.. كان لا يزال يبتسم.
وفجأة انطفأ الضوء، وغرقت الغرفة في عتمةٍ كثيفة.. سمعت همساً يأتي من كل الجهات، أصواتاً متداخلة تقول كلماتٍ مبهمة بلغاتٍ غريبة.. ثم صوت رجلٍ واحدٍ واضحٍ قال قرب أذنها:
"أنتِ... فتحتِ ما لا يجب فتحه ودخلتِ إلى ما لا عودة منه"
صرخت... لكنّ الصوت لم يخرج.. كأن الهواء تجمّد في رئتيها.. مدّت يدها نحو الباب لتخرج، لكن الغرفة لم تعد كما كانت؛ الجدران تغيّرت، والمرآة لم تعد مرآة... صارت باباً آخر، تلمع كالماء.
ومن بين اللمعان، خرجت يدٌ بشريةٌ سوداء، أمسكت بمعصمها، وسحبتها نحو الداخل.. في اللحظة التي اختفت فيها، انغلق الباب مجدداً، وكأن شيئاً لم يكن.
ومنذ ذلك اليوم... صار يُسمع في الطابق العلوي كل فجر، صوت فتاةٍ تبكي خلف الباب المغلق، وتردد جملة واحدة:
"ما كان علي فتحها"
يتبع.....
