بقلم بلعربي خالد
وباء لا مساس
اللوحة الأولى
(المكان: ساحة مكة، حيث تصل قوافل من بلاد الروم والفرس محملة بالبضائع والجوار. )
التاجر الرومي :(يصرخ)
أيها العرب، جئناكم بالذهب والعطور، لكن معنا خبر خطير… مرض غامض يتفشى في بلادنا، لا يعرف أحد نوعه ولا علاجه.
أهل مكة : (يتراجعون بخوف)
ابتعدوا! لا نريد بضائعكم ولا جواريكم، فقد صارت القوافل تحمل الموت بدل التجارة.
الراوي : (بصوت عميق)
وهكذا، دخل الخوف إلى مكة، وصارت القوافل تقف عند الأبواب بلا مشترين، والمرض يخيّم كظل مجهول.
اللوحة الثانية
(المكان: دار الندوة، حيث يجتمع سادة قريش)
أبو لهب :(يرفع يده بحزم)
أيها القوم، الحل بسيط: "لا مساس"! كل واحد يبقى في بيته، لا يقترب من أهله إلا بالكلام من بعيد. ومن أراد مخاطبة غيره، فليضع يده على فمه حتى لا يخرج منه شيء.
أبو جهل :(ساخرًا وهو يغطي فمه)
هاهاها… حتى الكلام صار ممنوعًا! سنصبح قبيلة من الإشارات والهمهمات.
الخنساء :(بحزن)
لقد صار الشعر مكتومًا، لا يسمع الناس إلا نصف الكلمات، وكأن المرض سرق أصواتنا.
الحطيئة :(يضحك)
سأكتب هجاءً في أبي لهب: "يا من جعل الكلام جريمة، والبيت سجناً، واليد كمامة!"
اللوحة الثالثة
(المكان: شوارع مكة وقد تحولت إلى ساحة صامت.)
الأزواج يتحدثون من وراء الأبواب، كل واحد يضع يده على فمه.
الشعراء يلقون قصائدهم وهم يغطون وجوههم، فلا يسمع الجمهور إلا همسات.
الأطفال يلعبون لعبة جديدة: "من يقترب يخسر"، فيضحكون بينما الكبار يرتجفون.
القوافل تبقى بعيدة، محملة بالبضائع والجوار، لكنها محرمة على اللمس، وكأنها أوهام معلقة في الهواء.
الراوي : (يختم بصوت عميق)
وهكذا، صار المرض الغامض القادم من الروم والفرس رمزًا للخوف والعبث. وسياسة أبي لهب حولت الحياة إلى صمت جماعي، حيث لا أحد يلمس شيئًا، ولا أحد يقترب من أحد. عبثية كاملة، كأنها لوحة فنية سوداء تُعرض في سوق عكاظ دوت كوم.
اللوحة الرابعة
(المكان: ساحة مكة، حيث يقف أكبر صنم مصنوع من التمر والعجوة، رمز القبيلة.)
الراوي : (بصوت عميق)
وصل الوباء إلى الصنم العظيم، فأكلته القبائل جوعًا وخوفًا، حتى صار مجرد أطلال من تمر وعجوة. ومع سقوطه، سقطت هيبة الطقوس، وبقي الناس بلا ملجأ سوى انتظار الخلاص.
أبو لهب :(يصرخ وهو يضع يده على فمه)
أرسلوا رسولًا إلى العجم، لعلهم يأتون لنا بالدواء! لكن لا أحد يقترب، لا أحد يلمس، لا أحد يتنفس إلا خلف اليد.
ابوسفيان : (يخرج مسرعًا)
سأعبر الصحارى والجبال، وأجلب لكم علاجًا من بلاد الروم والفرس، ولو كان ثمنه حياتي.
(يمر الوقت، ويزداد الموت، كل دقيقة يسقط رجل أو امرأة، حتى صار الحزن طقسًا يوميًا.)
اللوحة الخامسة
(المكان: صحراء مكة وقد سادها الغيوم فجأة.)
الراوي:
نزل المطر بغزارة، غسل الأرض، وطهر العباد، وأعاد الحياة إلى قبائل قريش. بدا وكأن السماء أعلنت نهاية الوباء، فخرج الناس من بيوتهم، ورفعوا أيديهم وهم يطوفون عراة حول الكعبة الشريفة .
الخنساء :(بدموع الفرح)
لقد عاد الصوت إلى الشعر، وعاد نبض القلب إلى القبيلة، وكأن المطر قصيدة نثرية كتبتها السماء.
لكن سرعان ما انتشر وباء آخر، أشد فتكًا، وكأن الوباء يسخر من البشر.
الحطيئة : (يضحك بسخرية)
هاهاها… انتهى وباء وبدأ آخر، كأننا في حرب لا تنتهي، كل انهزام يفتح بابًا لانهزاما جديد.
الراوي :
وهكذا، صار التاريخ سلسلة من الأوبئة والعبث، حيث كل نهاية بداية، وكل قطرة مطر تطهير مؤقت، وكل دواء وعد مؤجل. إنها دورة لا تنتهي….
نهاية
