من يتحكّم بمن؟ وكيف أصبح الذكاء الاصطناعي يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا؟

 


بقلم د. مجدولين منصور 

في عالم لم يعد يشبه الأمس، يعيش الإنسان اليوم تجربة غير مسبوقة: الآلة لا تساعده فقط… بل تقرأه. تعرف ماذا يفكّر، ماذا يحب، ماذا يخاف، وكيف يتصرف حتى قبل أن يتصرف!

وهنا يبرز السؤال الأخطر: من يتحكم بمن؟

هل ما زلنا نقود التكنولوجيا… أم أصبحت التكنولوجيا تقودنا ونحن نظن أننا نتحكّم بها

الآلة التي تتعلمك أكثر مما تتعلم منها

في السابق، كان الإنسان يدرّب التكنولوجيا: يعطيها أوامر، يزودها بالمعلومات، ويحدّد سلوكها.

لكن في عصر الذكاء الاصطناعي، تغيّر كل شيء.

خوارزميات اليوم لا تستقبل البيانات فقط… بل تدرس تحليل شخصيتك، وتعيد تشكيل ما تراه وتسمعه وتشتريه وتتعلّمه.

يكفي أن تبحث عن موضوع واحد، أو تعجب بفيديو، أو تتوقف لثوانٍ أمام محتوى معيّن… لتبدأ المنصات برسم نسخة رقمية منك:

نسخة تعرف:

نمط تفاعلك

مزاجك اليومي

نقاط ضعفك

أكثر ما يجذب انتباهك

وحتى ما تخشاه وما ترغب في تجنبه

هذه ليست مبالغة… إنها حقيقة واقعية تعترف بها شركات التكنولوجيا نفسها:

الذكاء الاصطناعي أصبح يعرف “نسختك الخفية” بشكل أدق مما تعرفها أنت.

كيف يعرفك الذكاء الاصطناعي أكثر مما تعرف نفسك؟

1) يتتبع التفاصيل الصغيرة جدًا

طريقة كتابتك… سرعة لمس الشاشة… وقت نومك…

كلها بيانات تظنها تافهة، لكنها بالنسبة للآلة لغة.

2) يحلّل الأنماط التي لا يلاحظها البشر

أنت قد لا تعرف لماذا انجذبت لفيديو معيّن.

لكن الذكاء الاصطناعي يعرف:

الإضاءة، الصوت، التعبير، نوع الحركة…

ويعرف ما يثير دماغك في أجزاء ثانية.

3) ينبّئ سلوكك قبل حدوثه

نعم!

بناء على ملايين البيانات المشابهة، يستطيع أن يتوقع:

ماذا ستشتري خلال أسبوع

ما نوع المحتوى الذي ستشاهده بعد دقائق

وحتى قرارك عندما تكون غاضبًا أو متعبًا

هل تتخيل أن تطبيقًا قد يعرِف أنك تمرّ بضغوط نفسية قبل أن تعترف أنت بذلك؟

السؤال الأخطر… هل ما زلنا أحرارًا؟

حين تقوم المنصات بتحديد ما يظهر وما يختفي، ما نقرأ وما نشاهد، وما نحب وما نكره، فإنها لا تعكس واقعنا… بل تصنع واقعًا جديدًا نحيا داخله دون أن نشعر.

نحن نظن أننا نختار، لكن الحقيقة أننا نختار من قائمة محددة أوجدها الذكاء الاصطناعي خصيصًا لنا.

فهل ما زال هذا اختيارًا؟

أمثلة يومية تثبت أن الذكاء الاصطناعي يتحكم بنا:

تشعر بأنك تريد شراء شيء، فتظهر لك الإعلانات قبل أن تبحث عنه.

تقضي ساعات على تطبيقات معينة دون أن تدرك كيف مضى الوقت.

يغيّر المحتوى الذي يصل إليك طريقة تفكيرك ومواقفك.

تتأثر مزاجيًا بمحتوى يقترحه عليك النظام وليس اختيارك الحر.

هذه ليست صدفة… إنها هندسة سلوك رقمية.

هل الذكاء الاصطناعي خطر؟ أم نحن غير مستعدين له؟

الذكاء الاصطناعي قد يكون قوة إيجابية مذهلة:

يساعد في التعليم، يطور التفكير، ويختصر الوقت والجهد.

لكن الخطر يظهر عندما:

نستخدمه بلا وعي

نتركه يحدد ما نفعل

نسمح له بقيادة قراراتنا اليومية

الذكاء الاصطناعي ليس شيطانًا… لكنه مرآة مضخّمة لأنماطنا النفسية والسلوكية.

وإذا لم نعرف أنفسنا جيدًا، ستقوم الآلة بتحديد “من نكون” بدلًا منا.

كيف نستعيد السيطرة؟

1. استخدم الذكاء الاصطناعي كأداة… وليس كمرجع نهائي.

2. اسأل نفسك دائمًا: هل هذا رأيي… أم رأي الخوارزمية؟

3. قلّل من بياناتك، وزد من وعيك.

4. اختر المحتوى ولا تجعل المحتوى يختارك.

5. درّب أبناءك على التفكير النقدي والتحليل.

في النهاية: من يتحكم بمن؟

الذكاء الاصطناعي لا يريد السيطرة…

لكن البيانات التي نمنحها له بإرادتنا تعطيه القدرة على قيادتنا دون أن نشعر.

السؤال الذي سيحدد مستقبلنا ليس:

“كم أصبح الذكاء الاصطناعي ذكيًا؟”

بل…

“كم أصبح الإنسان واعيًا أثناء استخدامه لهذه القوة الهائلة؟”

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology