في يوم ميلاد أمّي... أكتب لها ما لا تُطيقه اللغة، ولا تتّسع له السماء

 

المهندسة شهد القاضي 

اليوم ليس ذكرى ميلادٍ فحسب، بل ذكرى ولادة نورٍ وُضع في هذا العالم ليمدّني بالقوة، ويُربّي في روحي القدرة على النهوض مهما أثقلني التعب.. اليوم هو تاريخ بداية امرأةٍ حملت وجعي قبل أن أعرف معنى الوجع، وفهمت صمتي قبل أن أتعلم الكلام، ووقفت أمام الحياة كأنها جدار لا يفرّط بحبّي، ولا يسمح لشيء أن يقترب منّي بسوء.

أمّي... يا أول الحكاية، وآخر السكينة، وما بينهما من دعاءٍ يُبقي روحي عامرة.. كم مررتِ بليالٍ ما علم بها أحد، وكم تحمّلتِ وجوهًا قاسية وأيامًا مُرّة، وكم خبّأتِ وجعك تحت ابتسامة حتى لا يلين قلبي قبل أوانه.. رأيتُ في عينيكِ أشياء لم تستطع الحكايات وصفها، وسمعتُ في صوتك رجفة تعبٍ حاولتِ دائمًا أن تخفيها، وكنتِ رغم كل شيء... واقفة.. متماسكة.. شامخة كأنكِ خلقتِ من صبرٍ لا ينفد.

يا أمّي... في يوم ميلادك، لا أحتفل بعمرٍ جديد فقط، بل أحتفل بنجاتك من كل ما حاول أن يكسر روحك، من كل حربٍ خضتها بصمت، ومن كل طريقٍ مشيتِ فيه وحدك كي أصل أنا دون أن تتعثّر قدمي.. أحتفل بشجاعتك التي لا تشبه نساء العالم، وبقلبك الذي لم يخن يومًا، ولم يتبدّل رغم قسوة الدنيا.

ولتعلمي... أنا معكِ.. أنا سندكِ الذي لا ينحني، وظهركِ الذي لا يُكسر.. أنا القوة التي ستخرج من قلب تعبك، والامتداد الذي سيقف في وجه كل يدٍ تمتدّ إليكِ بالأذى.. أحبّ كل من يُحبك، وأحترم كل من يُكرمك، وأرفع رأسي لكل من يضعكِ في مقامك الحقيقي.. وأحارب—والله يشهد—كل من يؤذيك ولو بكلمة، كل من يجرح قلبك ولو بنظرة، كل من يقترب من حدودك التي ما عاد يسمح لها الزمن بأن تُمسّ.

يا أمّي... إن كان لي في هذه الحياة عزوة... فأنتِ عزوتي.. وإن كان لي وطن... فأنتِ وطني.. وإن كان لي شيء أفتخر به أكثر من نفسي... فهو أنكِ أنتِ التي ربّتني، وأنك أنتِ التي وقفتِ في وجهي حين ضعفت، ووقفتِ معي حين احتجت، ووقفتِ عني حين غبت عن نفسي.

أمّي... كل عامٍ وأنتِ العمر الذي لا يتكرّر، والنعمة التي تُكتب باليدين قبل القلب، والدعاء الذي أعرف أنه يصعد للسماء فأعيش ببركته دون أن أدري.. كل عامٍ وأنتِ القوة التي تتعلم منها الدنيا معنى الثبات، والحنان الذي يفهمه الله وحده ويجازيه بكرمٍ لا ينتهي.

ويا رب... احفظها لي كما هي... امرأةٌ إن مالت الأرض، تعدّلها.. وإن انطفأ العالم، تُشعل روحي من جديد.. وإن خذلني كل شيء... يكفيني أنها موجودة.

كل عامٍ وأنتِ أمّي... وميلادك ميلاد قوتي.. وقلبي يبدأ منكِ.. وينتهي عندكِ.