البيت الملعون – الجزء الرابع: سرّ العجوز والمرآة الأولى



مهندسة شهد القاضي 



قبل أكثر من مئة عام، في أطراف القرية نفسها، كان هناك رجل يُدعى سالم بن غياث، حدّاداً بسيطاً يعمل في تشكيل المعادن وصناعة الزجاج.. لكنّه لم يكن كغيره من الحدادين؛ فقد كان مولعًا بما وراء الطبيعة، يقرأ الكتب القديمة ويقضي لياليه في البحث عن طرقٍ لحبس الأرواح داخل الأجسام الجامدة.



في عام 1884، جاءه تاجر غريب من مدينةٍ بعيدة، عيونه زجاجية لامعة كأنها لا تعرف النوم، وقال له بصوتٍ كالرمال:



 "اصنع لي مرآة لا تعكس الوجه... بل تعكس الروح"




تردد سالم، لكنه قبل العرض مقابل ذهبٍ كثير... عمل لأسابيعٍ طويلة حتى صنع المرآة الكبرى— تلك التي ستصبح فيما بعد قلب لعنة البيت... كانت مصنوعة من زجاجٍ أسود نُقش في خلفيتها بخليطٍ من دماء الغربان والزئبق، ومختوم بطلاسم منقوشة بلغةٍ منسية.



في الليلة التي انتهى فيها العمل، حدث ما لم يكن في الحسبان... ظهر الرجل الغريب مجددًا، لكنه لم يكن كما تركه سالم؛ وجهه تغيّر، صار ضبابياً كأنه دخان حيّ،

وقال له:


"من يصنع مرآةً للروح... يجب أن يكون أول مَن يسكنها"




وقبل أن يتحرك سالم، أمسك الرجل بالمرآة ووجّهها نحوه.. لم ينعكس وجهه... بل انعكست داخلها صورته ميتًا.. في اللحظة التالية، اختفى الرجل، وتحوّل الزجاج الأسود إلى سطحٍ حيّ ينبض كاللحم.. ومنذ تلك الليلة، لم يُرَ سالم مرة أخرى.. لكن كل من اقتنى تلك المرآة، مات بطريقةٍ غامضة، حتى وصلت بعد عقودٍ إلى تاجرٍ آخر اشترى هذا البيت ليخفيها فيه.


ولما مات التاجر، ظلت المرآة في الطابق العلوي مغلقة بالقفل والرموز التي رسمها أحد الكهنة ليكبح روح سالم بن غياث،

لكن شيئًا تغيّر عندما فتحتها ليلى — لقد كُسر الختم، واستيقظ ما كان نائمًا منذ اختفاء سالم.




بعد اختفاء النقيب، أُغلق المنزل بقرارٍ رسميّ.. لكن في كل فجر، كانت الأضواء تُشعل في الغرفة وحدها، ويُرى من الطريق المقابل وجه رجلٍ عجوزٍ يقف أمام النافذة، يحدّق بصمتٍ نحو الخارج، كأنه ينتظر شيئًا.


وفي إحدى الليالي، مرّ طفل من الحيّ قرب المنزل، فرأى المرآة الكبيرة من خلال النافذة.. اقترب منها ببراءة، ونظر إلى الزجاج.. فرأى داخلها فتاةً تبتسم وتقول له بهدوء:


"تعالَ... لن نؤذيك"




ومنذ تلك الليلة، اختفى الطفل.. ولما فتشوا المكان، وجدوا على الجدار قرب المرآة خربشة صغيرة مكتوب فيها بحروفٍ مرتجفة:



"أنا لستُ وحدي هنا... كلنا ننتظرك"





يُقال اليوم إنّ كل من يمرّ بجانب ذلك البيت ليلاً، يرى وجهه في الزجاج... لكنه لا يتحرك معه.. وأن من يتجرأ على النظر أكثر من ثلاث ثوانٍ، يُسمع صوته في الليلة التالية يهمس من داخل الجدران:


"أنا رأيت المرآة... والمرآة رأتني"

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology