تبارك الياسين تحاور الكاتبة صفاء الطحاينة
في مجموعتها القصصية «خفايا الروح»، تمزج الكاتبة والفنانة صفاء بين رهافة اللغة وعمق المعنى، لتقدّم نصوصًا تتأرجح بين الشعر والسرد، بين الحلم والواقع، في انسياب لغوي يلامس جوهر الإنسان.
هي تجربة تُشبه المرآة، تعكس وجع الداخل بقدر ما تضيء مساحات الأمل، وتحوّل الصمت إلى نغمة بصرية وحسية في آن واحد.
في هذا الحوار، تفتح صفاء قلبها للحديث عن لغتها، رموزها، ومشاريعها القادمة، كاشفةً خفايا العالم الذي تسكنه الكلمة واللون.
1.لغتكِ في «خفايا الروح» تتنفس الشعر وتنبض بالتكثيف، كيف صغتِ هذا الإيقاع اللغوي المتوازن بين الشعرية والسرد؟
ج ـ لم أتعمَّد صياغة هذا الإيقاع، بل جاء بشكل فطري. أكتب بانسيابيَّة تجعل الجملة أشبه بنبضةٍ مشحونة بالإحساس والمعنى. أحاول أن أوازن بين الإسهاب والتَّكثيف من جهة، ومتعة السَّرد واتِّساع التَّأويل من جهة أخرى، بحيث لا تطغى اللُّغة على الفكرة ولا تبتلع الفكرة الإحساس.
2.إلى أي مدى أثّرت تجربتكِ التشكيلية على رؤيتكِ في الكتابة وصناعة الصورة داخل النص؟
ج ـ تجربتي التَّشكيليَّة منحتني حِسًّا بصريًا جعلني أرى الكتابة كنوع من الرَّسم بالكلمات، فأصبحت أنظر إلى الصُّور والمشاهد في النُّصوص كأبعاد دلاليَّة. من الرَّسم تعلَّمت أنَّ اللَّون يبوح بما تعجز عنه الكلمات، وأنَّ الصَّمت في اللَّوحة جزء من معناها. لذلك، حين أكتب، أتعامل مع الجملة كخطٍّ على لوحة، ومع الفقرة كمساحة تتوزَّع فيها الألوان بتناغم سردي.
3.قصصكِ تبدو كلوحات من الضوء والظِّل، هل ترين في الكتابة امتدادًا للوحة التشكيلية أم عالمًا موازياً لها؟
ج ـ الكتابة بالنِّسبة لي عالم موازٍ للرَّسم لا امتداد له. فاللَّوحة تُجمِّد لحظة واحدة، بينما يحرِّر النَّصُّ تلك اللَّحظة من سكونها ليمنحها الحركة والزَّمن. في الرَّسم أعبِّر بالألوان، وفي الكتابة أعبِّر بالكلمات، لكن في كليهما أبحث عن المعنى الكامن بين الخطوط والسُّطور، وعن الحكاية بين الأشكال والكلمات.
4.الرموز في نصوصكِ تتسلل بهدوء لتفتح نوافذ على اللاوعي، هل قصدتِ أن تكون مفاتيح لفهم الذات أم مساحات لتأمل القارئ؟
ج ـ هي بالأحرى مرايا مزدوجة تعكس الكاتب والقارئ معًا. أحيانًا أضعها لأرى نفسي من خلالها، وأحيانًا أتركها مفتوحة لتأمُّل القارئ. أؤمن أنَّ النَّصَّ لا يكتمل إلَّا إذا ترك الكاتب فراغات ليملأها القارئ بتجربته الخاصَّة.
حين يعبر القارئ جسور الرُّموز، يتحوَّل النَّصَّ من تجربة فرديَّة إلى تجربة إنسانيَّة مشتركة.
5.المفارقات التي تظهر في بعض قصصكِ تحمل دهشة وحسًّا فلسفيًا، هل هي انعكاس لتناقضات المجتمع أم لتموجات النفس البشرية؟
ج ـ هي انعكاس للأمرين معًا، فالمجتمع في جوهره مرآة تعكس النَّفس البشريَّة. المفارقة في نصوصي ليست مجرَّد تقنية سرديَّة بل وسيلة لاختبار التَّناقض بوصفه جوهر الوجود. نحن نحيا في مفارقة دائمة: نبحث عن الاتِّساق في عالم فوضوي، نحبُّ ولكن نخاف من الحبِّ في الوقت نفسه. لذلك تنشأ المفارقات في قصصي كعلامات على وعينا المزدوج، وكطريقة للتَّصالح مع هشاشتنا الإنسانيَّة.
6.كيف تنظرين إلى حضور الثقافة الأردنية في «خفايا الروح»؟ هل أردتِ أن تجعليها مرآة لروح المرأة أم لبيئتها الأوسع؟
ج ـ الثقافة الأردنيَّة في «خفايا الرُّوح» تنبض في تفاصيل الشَّخصيَّات وسير الأحداث. المرأة الأردنيَّة في قصصي ليست نموذجًا مثاليًّا، بل كيانٌ حيٌّ يوازن بين جذوره والرَّغبة في الانفتاح على العالم، بين صمت المجتمع وصوت الذَّات. أردت أن تكون الثقافة مرآة للرُّوح والهويَّة، لا للعادات والتَّقاليد.
7.ما الذي أردتِ أن يلتقطه القارئ من خلال هذا المزج بين الحس الجمالي والعمق الإنساني في المجموعة؟
ج ـ أردت من «خفايا الروح» أن تكون مساحة يكتشف القارئ من خلالها ذاته، وتحفِّز تفكيره، بحيث لا يكتفي بالقصص نفسها، بل يرغب في التَّعمُّق أكثر. كلُّ قصَّة بمثابة شرارة تفتح مداركه نحو الماورائيَّات، نحو الميتافيزيقا والغيبيَّات، وعوالم النَّفس والروحانيَّات. كنت أطمح أن ينتقل القارئ بعد قراءتها إلى متعة التَّأمُّل، وأن يرى فيها دعوةً إلى الغوص في الأعماق الإنسانيَّة واستكشاف عوالم روحيَّة.
8.بعد «خفايا الروح»، ما المشروع الأدبي الذي تعملين عليه الآن؟ وهل يشكل امتدادًا لتجربتكِ أم مغامرة جديدة في الشكل والمضمون؟
ج ـ بعد «خفايا الرُّوح» صدرت مجموعة «ترانيم المطر»، وقريبًا سترى النُّور روايتي الجديدة «شمس الضَّاحية»، وهي رواية اجتماعيَّة-نفسيَّة تكشف الصِّراعات الدَّاخليَّة للشَّخصيَّات ضمن سياقات بيئيَّة واجتماعيَّة متشابكة، وتغوص في عوالم النَّفس البشريَّة بمزيج من الدِّراما والتَّحليل النَّفسي. يمكن اعتبارها امتدادًا لتجربتي في فهم الرُّوح الإنسانيَّة، لكنَّها أيضًا مغامرة سرديَّة جديدة، استخدمت فيها تقنيات متنوِّعة وأساليب تتيح للقارئ الغوص في الطَّبقات النَّفسيَّة للشَّخصيَّات، وتضع القارئ في قلب تجربتها.
9.لو عدتِ إلى «خفايا الروح» بعد أعوام، هل ستكتفين بخفاياها كما هي، أم تكتشفين فيها سِرًّا جديدًا من روحكِ؟
ج ـ الكتب، برأيي، لا تُغلَق على ما كتبناه، بل تتنفَّس معنا وتنضج بمرور الوقت. إذا عدت إلى «خفايا الرُّوح» سأجد نفسي فيها مجدَّدًا، لكنَّني سأراها بعين أخرى أكثر نضجًا، حيث تولَّدت مع مرور الزَّمن طبقات جديدة وعميقة من الفهم. قد أختلف مع بعض القصص، لكنَّني بالتَّأكيد سأكتشف في ثناياها خفايا لم أكن أعيها يوم كتبتها. النَّصُّ بالنِّسبة لي ككائن حيٍّ، يبوح بأسرار جديدة كلَّما تغيَّر وعي الكاتب وتبدَّل منظوره في الحياة.
صفاء فارس الطحاينة،
روائية وفنانة تشكيلية أردنية، تحمل درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها، ودبلومًا عاليًا في الإدارة المدرسية، بالإضافة إلى دبلوم مهني في القيادة المتقدمة.
تشغل حاليًا منصب مديرة مدرسة، وهي عضو فاعل في عدد من الهيئات الثقافية والفنية.
شاركت في العديد من المعارض الفنية المحلية والدولية، إلى جانب معارضها الشخصية التي عكست تنوّع تجربتها بين الرسم بالفحم والأكريليك والألوان الزيتية.
أما في مجال الأدب، أصدرت عددًا من الأعمال، من أبرزها:
1. مجموعة قصصية: (خفايا الروح)
2. قصص قصيرة جدًا: (ترانيم المطر)
3. كتاب تربوي: (قيادة تحدث الفرق)
كما نشرت العديد من القصص والمقالات في الصحف والمجلات المحلية والعربية. وتعمل حاليًا على مشاريع أدبية جديدة.
ومن الأعمال المنتظر صدورها قريبًا، رواية: (شمس الضَّاحية)، التي تُضاف إلى رصيدها الأدبي والفني، وتؤكد حضورها المستمر في إثراء المشهد الثقافي الأردني.