عمان - عمر أبو الهيجاء
تحدّثَ الشاعر الأردنيّ الفلسطينيّ علي العامري في حوار نشرته باللغة الفرنسية، الصحيفة الهاييتية "لو ناسيونال"، عن فلسطين والإبادة الجماعية في غزّة، وعن الشعر والكتابة والحرب والمنفى، وعن النكبة والنكسة ومعركة الكرامة. وتطرق في حديثه لطفولته في قرية القليعات في الأغوار الشمالية، وذاكرة نهر الأردن، وذاكرة الفدائيّ، وعن كتابه الشعري "فلسطينياذا" الذي صدر، فعليّاً، قبل ثلاثة أيام من أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال علي العامري، رداً على سؤال عن أثر المنفى في الحياة والكتابة، "هذا المنفى الذي يمكن أن أسمّيه بدقّة أكثر، المنفى التّهجيريّ، لم أختره بإرادتي، كما لم يختر 950 ألف فلسطينيّ هذا المصير القسري، إثر نكبة العام 1948"، مشيراً إلى أنّ مصطلح "الشتات الفلسطينيّ" تشكّل منذ تهجير أصحاب الأرض في تلك اللحظة المأساوية.
وأوضح أنّ المنفى بالمعنى الاقتلاعي، يتحوّل إلى "علامة جوّانية"، يُشعره بأنه يعيش في مكان وزمان مؤقتيْن. لكن، من جانب آخر، أكد صاحب "فلسطينياذا"، أنّ "حياتي في المنفى تشير دائماً إلى فردوسي المحتلّ، وليس المفقود. وبالتالي يحفر المنفى عميقاً في الروح وفي اللغة معاً، إذ يتجاور الألم والأمل في سبيكة واحدة"، واصفاً الحياة في الشتات بأنها "وجودٌ معلَّق، رجراج، ومتأرجح".
وعن سؤال حول حلم العودة، ردّ العامري بقوله إنّ "العودة إلى فلسطين هي حلمي الأكبر، مثلما هو حلم ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون منفى الشتات"، قائلاً "لا شيء يضاهي معنى الحرية".
وفي الحوار الذي أجراه الكاتب والصحافي، غادسون موليت، تحت عنوان "علي العامري.. شاعر الحدود والذاكرة"، ونشرته الصحيفة الناطقة بالفرنسية، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قال صاحب "خيط مسحور"، عن طفولته إنّ "وادي الأردن يعني لي العتبة الأولى للحواس، إذ عشتُ طفولة برّيّة في قرية القليعات الواقعة على الحدود مع شمال فلسطين"، واصفاً قريته في الأغوار الشمالية، بأنها "جارة نهر الأردن، وشاهدة التهجير، وفضاء اللعب، والمسرح البريّ المفتوح للكلمات الأولى والألوان الأولى، وهي خزانة الذكريات الحلوة والمُرّة"، مضيفاً "كانت البراري مُعلّمتي الأولى، كنتُ مع إخوتي نمشي إلى نهر الأردن ونسبح في المناطق الضحلة، كما لو أننا تعمّدنا في المياه المقدّسة مثل المسيح الفلسطيني، وحملنا صليبَ الشّتات".
أما عن دور القصيدة في زمن الحرب، فقال علي العامري "في الحرب، يُذكّرنا الشعر بأن لا نقع في اليأس. وفي المنفى يمنحنا صبراً مضيئاً، ويجعلنا نتحمّل عبء المسافة والانتظار"، مضيفاً عن تضامن شعوب العالم مع فلسطين، "استخدم الناس قصائدَ ورسوماتٍ ومشاهدَ تصويريةً ورموزاً وملصقاتٍ وموسيقى وأغانيَ في الاحتجاج على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني وبمساعدة من دول غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي تمارس ما يمكن أن أسمّيه الهلوسة الاستعمارية". ومن جهة ثانية، أشار إلى تزايد الاهتمام بالأدب الفلسطيني، وخصوصاً في غزّة، موضحاً أنّ العديد من المختارات الشعرية عن غزة، صدرت في مختلف لغات العالم.
ووصفَ الحائز وسام أندريس بِيّو الفنزويلي من الدرجة الأولى، الترجمة بأنّها "لسانٌ يجمع كلّ اللغات"، مشيراً إلى أهميتها في بناء الحضارات، قائلاً إنّ الترجمة "مكّنت العرب من حفظ الإرث اليوناني ونقله إلى أوروبا وعموم الغرب، مع الإنجازات الجديدة التي أسهم بها الأدباء والعلماء والفلاسفة العرب والمسلمون. وكان المترجمون، أيام المأمون في العصر العباسيّ، يُكافَأون بوزن كتبهم ذهباً".
وكشف علي العامري خلال الحوار عن مبادرة الشاعرة الغويانية الفرنسية، ألكسندرا كريتي، وحماسها لنقل كتاب "فلسطينياذا" إلى اللغة الفرنسية بترجمة للشاعرة والمترجمة التونسية أروى بن ضياء. وكان ديوانه "خيط مسحور" صدر بالإسبانية عن بيت الشعر في كوستاريكا، عام 2014، بترجمة أستاذة الأدب الإسباني، الدكتورة عبير عبد الحافظ، كما تُرجمت له قصائد عديدة إلى 12 لغة.
وعن ترجمة شعره، قال صاحب "كتاب الحدوس" إنّ "الشعر يُوسِّع الوجود، والترجمة تمكننا من قراءة الآخر، وتمكننا من الترحال عبر الزمن والجغرافيا، وتجعلنا قادرين على مشاركة الجماليات والأفكار والتجارب مع آخرين"، مردفاً "هذا يعني أن قصيدتي تهاجر إلى قرّاء آخرين، إلى ثقافات أخرى، وإلى ألسنة أخرى. وبالتالي رسالتي الجمالية والفكرية والوطنية والإنسانية تعبر جسر الترجمة لتغدو عابرة للحدود"، ومؤكداً أن الترجمة "تسهم في تعميم الجمال والقيم الإنسانية القائمة على الأُخوّة العالميّة، وليس على عولمة الهيمنة".