بقلم غفران كريم صبر / العراق بصرة
لم أتوقع يومًا أنّني سأصاب بلعنةِ الكاتب المجهول ، وأن أدعو الله وأقول إنجدني منها يارب . أعرف تلك المحنة جيدًا ، وواثقة لدرجة إنّ كلّ متمتع بموهبة غير معروفٍ بين أقرانهِ ومجتمعهِ، على وجه الأرض ، قد مرَّ بها على الأقل بصورةِ عرضية ، وهكذا زامر الحيّ لايطرب .
لا أكذب صرت أثقل من انحنائي المحبب على الورق الأبيض ، أو بالأصح تضيق به نفسي ، بسبب ما حدث معي عدة مرات ، كوني مواظبة بمشاركة نصوصي الأدبية على منصة الإنستغرام ، فعادة أواجه جلدًا لموهبتي ، وبأنّها خطرٌ يفسد قدسية بناء النصوص الإبداعية وخرقٌ لمنظومة الأدب العالمي . ناهيك عن وابل الأسئلة التي تنتهي بسؤال لاينتهي ؟، هل تعتقدين أنّك حقًا كاتبة ؟ أرجوكِ لا يأخذكِ الخيال والحلم ، فما تكتبين حتى الأطفال لا يقرؤونهُ، كنت أراقب وأسمع الشتائم في تأدب وصمت بالغ من بعيد ، حتى بهتت ولم يعد لذلك النقد أي قيمة أو مبالاة ، أو أواسي نفسي ؛ غدًا سيتغير كل شيء ، سيمارسون الإنبهار بأفكاري ، ويلتهمون رواياتي ، أعترف أنّني أخطات في تصوري هذا ، فأنا في نظر فرسان الحماية المقدسة لسارتر وكافكا ونيتشة مازلت أحتاج آلاف الأميال لتعلم الرصانة في صياغة الحبكة والمعاني اللغوية ، دعك من هذا كله على رأي مصطفى محمود ؛ فالحياة لا تبدأ حين تعجب الناس ، بل حين تُعجب نفسك بما أصبحت عليه . لكن في الحقيقة هناك أمور أشد قساوة ، تجلب لك المرارة في النفس كلّما توالت على رأسك ، أذكر منها ، ذات مرة استعرت نصًا عشوائيًا لشارلوت برونتي ، راق لي مشاركته، ليس هذا المهم بالطبع ، بل المثير للدهشة ، هو ظهور أحد أبطال القراءة العظام ، كما يزعم حضرته أنّه أتقن الأدب العالمي ودرس فيه الفلسفة واللاهوت والعلوم ، أّنه عالم استثنائي لاتفوتهُ صغيرة في الكتب ، وأمثاله قلة بالتأكيد . فاجأني بمشاركة النص المستعار عبر صفحتهِ الشخصية ، تتقدمها عبارات السخرية اللاذعة ، قائلًا لمتابعيه بحماسة ، كأنّه يخاطبهم بميدان التحرير ؛ لماذا تتسع الفجوة بين الثقافة واللغة ياترى !، إنّ الذوق العام ينهار على أيدي هؤلاء وأمثال غفران هذه ، أتعتقد نفسها كاتبة ! وهي تحمل جذور الفشل في خلاياها ، في هذا النص ستجدون الهراءات المضحكة يا إلهي .
لقد وقعت في مأزق كبير وبدأت أصدق ما قاله عني فعلًا شعرت بالخجل المفضي إلى الإختناق ، وكدت أنسى حتى ماقالته تلك المسكينة الأنكليزية شارلوت في النص المذكور ، ثم نظرتُ طويلًا وتأملت في سكون ، وعدتُ لقراءة النص مرة أخرى فوجدته مخيبًا لآمال القراء المزعومين بقوة تطلعاتهم ، أو ربما عرفت عن نفسي أكثر تفوق من تلك الشاعرة والأديبة الإنكليزية بمراحل شتى لاأعلم حقًا .
وسرعان ما خطر على بالي أيضًا موقف مشابه لتشارلي شابلن حين شارك بمسابقة تقليد شارلي نفسه لكن بدون ثيابهِ الرثة وشاربه المستعار والقليل من كانو يعرفونه . كانت صدمته شديدة أنّه اجتاز المركز الخامس بين المتقدمين بالفوز . والمضحك أكثر أن رئيس اللجنة حدثهُ قائلًا ؛ ليعلم الله أنّك حاولت ، لكن المتسابقين كانوا أبرع منك .
أما عني فأقول ..
أنا لا أبحث عن الأضواء ولا أطمح بالنجومية الخارقة ، فقط أريد ان أتنفس عن موهبتي بالكتابة ، ولكن للأسف ما أكتشفته متأخرًا ، أنّ هذا وحده صعب للغاية .
