تقديس البشر.. عبودية العصر الحديث وعبث الوهم

 



 بقلم.رأفت المليكي 


تقديس البشر، يعد أحد أسوأ أنواع الوثنيات البشرية التي ورثناها من عصور القفص وعبودية الإنسان. فاعلم أخي الكريم أن الإنسان بطبيعته يميل إلى تقديس شيء، لكن من المهم أن يكون هذا الشيء هو الله وحده.


لكن اليوم، نرى الكثير من الناس يقدسون مثل: نوادي كرة القدم ونجومها، أو ممثلين، ومغنيين، ومؤثرين، رجالًا ونساءً. يتابعون أدق تفاصيل حياتهم، ويبذلون جهدًا لتلميع صورهم، بل ويصل الأمر ببعضهم إلى سب كل من لا يشاركهم نفس الانبهار أو يعترض على تقديسهم، بحجة الدفاع أو الولع.


أما عبودية الماضي، فكانت إرغامًا وقهرًا، يجبر فيه الإنسان على أن يصبح عبدًا لمستعبديه، وهو مستضعف قهرًا. لكن، عجبًا، فعبودية هذا العصر تبدو غريبة، فهي اختيارية، يختارها الإنسان برغبته وإرادته، ويضع نفسه عبئًا على عصا من غبار الترف والجاه والسلطة. 


ويختار أن يكون أسيرًا لنجاح زائف، أو لقمة عيش لا تليق بكرامته، بينما لم نرَ حيوانًا يختار أن يدخل القفص، أو أن يحبس نفسه عبءًا لغيره. كيف يتقبل الإنسان أن يرضى بالقفص، وهو الذي يمتلك عقلًا ولبًا، فيما يرفض الحيوان أن يقيد؟


فالحرية، هي غاية كل إنسان عاقل ذو فطرة سليمة، يسعى للابتعاد عن مذلة الأقفاص، وطلب العزة والكرامة. لكن، في عمق النفس البشرية، يوجد شعور دفين بالضعف، وإحساس بأنها عبيد لله، وهو شعور فطري فريد، المفرق هو أن بعض الناس قرروا بفطرتهم أن يكونوا عبيدًا لله سبحانه وتعالى، مقرين بعزته وكرامته، فيما سجد آخرون لذواتهم أو لأشخاص غيره، وتصارعوا مع عبوديتهم.


تقديس الإنسان، بغض النظر عن السبب، كالجمال أو المال أو الشهرة، يطرح لنا أسئلة مهمة: أين عزة هؤلاء، وأين كرامتهم؟ هل يشعرون بالذلة، أم يظنون أنهم نصف بشر؟ لماذا يعتقدون أن التقديس لهم، وأنهم أصحاب مكانة أعلى؟ هل هو حب، أم عشق، أم جنون، أم سحر، أم غباء، أم ذل وهوان سلطه الله عليهم بسبب بعدهم عنه؟


وفي الحقيقة، من يعبد غير الله يكون عبداً لغيره. ونحن نعلم أن من لم ير نفسه عبدًا لله، قد ابتلي بالعبودية والذل لغيره، فالمؤمن الحقيقي هو من يحفظ عزته وكرامته في الله. والكرامة لا تليق إلا بالله، فهو وحده القادر على أن يكرم من يتذلل إليه، ويعزه بحكمته ورحمته، فإذا أصبح الإنسان عبدًا لغير الله، فقد ضاع حقه وكرامته، وبعده عن الله إنما هو سبب في انحطاطه وهوانه.


ولكن في النهاية، تبقى الحقيقة الثابتة أن احترام الإنسان لكرامته وقيمته لا يتأتى إلا بتقربه من الله، الذي إذا تذلل إليه، أعزه ورفعه على كل اعتدائه، وأعطاه من العزة والكرامة ما لا ينال إلا بقربه، فالوحدة الحقيقية للإنسان تكون في عبوديت الله، فهي محور كرامته وعتقه من عبودية الخلق، ووسيلته لتحقيق الحرية الحقة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology