محمد فتحى السباعى
أصل الحكاية مسجد وصيف الأمل من رحم اليأس
حين يبكي التاريخ من سوء الخدمات
في قلب قرية الزعيم سعد زغلول، حيث وُلدت شرارة ثورة 1919 وامتدت جذوتها إلى ثورة 30 يونيو، يقف مسجد وصيف شاهدًا على زمنٍ كان فيه الوطن ينهض على صوت الحرية والإيمان، قبل أن يطويه الإهمال وتغمره الوعود غير المكتملة.
المسجد الذي شهد صلوات المجاهدين، ودموع الأمهات المودّعات لأبنائهن في دروب النضال، أصبح اليوم رمزًا للخذلان التنموي.
فبينما تتزين اللافتات بعبارة «حياة كريمة»، يئنّ المسجد من سوء الخدمات، وتتسرب معاناة الناس من جدرانه كما يتسرب الماء من سقفٍ عتيقٍ نسيه البنّاء.
الماضي المجيد… والحاضر الصامت
تاريخ المسجد ليس مجرد جدرانٍ من حجرٍ وطين؛ بل هو ذاكرة الثورة المصرية، ونبض القرى التي كانت تسابق المدن وعيًا وكرامةً.
هنا كانت الأصوات تهتف: «يحيا الهلال مع الصليب»، وهنا كانت الخطبة تُلهب الحناجر بحب الوطن.
لكنّ المفارقة المؤلمة أنّ المكان الذي أنجب الوعي أصبح اليوم يستجدي الإصلاح.
الطرقات الترابية، وانقطاع الكهرباء المتكرر، وغياب الخدمات الأساسية، كلها تشكّل لوحة حزينة في قريةٍ يفترض أن تكون نموذجًا يُحتذى به ضمن مبادرة حياة كريمة.
ما بين الشعار والتطبيق، تضيع الحقيقة.
فالقرية التي حملت اسم الزعيم سعد زغلول، ما زالت تبحث عن حقها في الكرامة التي نادى بها.
ومسجد وصيف، الذي كان منارةً للعلم والعبادة، يبكي بصمتٍ على ما آل إليه حاله.
إنها ليست مجرد قضية مسجد، ليست مجرد قرية بل قضية ذاكرةٍ وطنيةٍ تُهمَل باسم التحديث.
فالتاريخ إذا تُرك بلا رعاية، مات، كما تموت الأشجار حين تُهمل جذورها.
ورغم هذا الحزن الذي يلف المكان، يبقى الأمل ممكنًا.
فكل حجر في مسجد وصيف ما زال يحتفظ بصلابة الثورة الأولى، وكل نسمة تمرّ في مآذنه تهمس:
"العدل لا يموت، ما دام في القرى من يكتب ويذكّر."
إن إنقاذ المسجد ليس عملاً هندسيًا فقط، بل هو إنقاذٌ لجزءٍ من ذاكرة مصر، من روحها الشعبية التي كانت دومًا منبع الثورة والوعي.
