محجوب الكريشي
أستاذ تنشيط ثقافي و باحث في العلوم الثقافية
تونس
إن مفهوم الثقافة إطار عام جامع و تتحرك داخله كل الثقافات الإنسانية في دوائر أو أطر متمايزة ذات تنوعات شاسعة و مستويات حضارية متباينة و تقوم بينها أحيانا حواجز و عوائق يصعب تجاوزها أو اختراقها أو النفاذ منها
إن الثقافات تتنوع تنوعا شديد فهي عوالم متمايزة تشكلت بظروف تاريخية و سياسية و اجتماعية و طبيعية مختلفة.
و قد بلور رائد علم الانثروبولوجيا "ادوارد تايلور" مفهوم الثقافة بهذه الصيغة المعرفية المحورية الشاملة في كتابة الثقافة البدائية الذي يعرف فيه الثقافة بأنها ذلك المركب المعقد الذي يشمل المعتقدات و المعلومات و الفن و الأخلاق و التقاليد و العادات و جميع القدرات الأخرى الذي يستطيع الإنسان أن يكتسبها بوصفه عضوا في المجتمع.كما يؤكد أن الثقافة أكبر من الافراد وانها نتاج الاجتماع الإنساني وأن الانسان يكتسبها و يتطبع بها دون اختياره فهي تسيره و تحدد ماهيته و ترسم نمط تفكيره و تبني نماذج سلوكه و تصنع مسارات اهتماماته و ترتب منظومة قيمه.
أما العالم الانثروبولوجيا "رالف لنتون" فيعرف الثقافة في كتاب الانثروبولوجيا و أزمة العالم الحديث قائلا " يعد مفهوم الثقافة من أهم الأدوات التى يتعامل بها الباحث الأنتروبولوجي إن الثقافة مصطلح ملائم لتعيين المجموعة النظمة من العادات و الأفكار و المواقف التي يشترك فيها اعضاء أي مجتمع و لذا يكاد يكون من المتعذر على أي عالم انثروبولوجي أن يبحث هذي الأمور دون استعمال هذا المصطلح.ويذهب "ملفيل هرسكوفتر"الذي ذهب إلى أن تعاريف الثقافة كثيرة و لكن هناك اتفاقا عاما على أنها تكتسب بالتعلم و تتيح للانسان أن يتلاءم مع بيئته الطبيعية و الاجتماعية وانها بالغة التنوع و تتجلى في نظم و أنماط تفكير و اشياء مادية"
وإذا تأملنا هذه التعاريف سيبدو لنا بوضوح أنه ليست هناك ثقافة نموذجية واحدة و ليس من المحتمل أن توجد في يوم من الايام و إنما وجدت و توجد و ستوجد ثقافات متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية أو بتدخل إرادي من اهلها قصد الحفاظ على كيانها و مقوماتها الخاصة.
أما إذا أردنا أن نقف على تعريفات للثقافة لها علاقة بأبعاد و متغيرات العولمة و بجدل الخصوصية المحلية و العالمية و الكونية فإن الكتب المتوفرة و المتدوالة لا تسعف إلا بالقليل النادر من هذا النوع من التعريفات لكنها على كل حال أو بعض منها على الاصح ينطوي على أبعاد و دلالات عميقة في التعريف من حيث التحقق بشرط الذاتية أو بشرط العالمية أو بكليهما مع إبراز الايجابي و السلبي في كل أنتماء.
ولذلك فلا يمكن للثقافة أن تعيش في فضاءات مغلقة و لأنها قراءات متعددة في كتاب مفتوح موضوعه الإنسان و ما حولها فإن من الصعب أن تحيا ضمن نظام لغوي و رمزي معزول عن رياح العالم و تغيراته الفكرية و العلمية و الأدبية
فالثقافة هي الشكل الأسمى لتراكم المعارف و هذه الأخيرة يصعب تنظيمها و توحيدها في نسق علمي ما دون مواكبة مستمرة لما يحدث من تطورات و تغيرات في مستوى البنية المعرفية للشعوب و الحضارات الأخرى.
إن الثقافة اليوم باتت حاضرة في جميع المستويات وهو ما إقتضى التشجيع على تطويرها شكلا و مضمونا خاصة بإعتماد استثمارات داخلية قادرة على عدم الإنتاج وقد تأكد أن للثقافة ارتباط وثيق بالتنمية.
