محمد فتحى السباعى
في ربيع الأربعينيات، وبينما كان الشرق يعيش تحولات سياسية وفكرية كبرى، خاض عباس محمود العقاد ــ أحد أعمدة العقل العربي ــ معركته الأكثر خصوصية: معركة الحب.
قصة إنسانية صاخبة، الطرف الأول فيها رجل بلغ الخمسين محصّنًا بالثقافة والصلابة، والطرف الثاني شابة عشرينية تُدعى هنومة خليل، قبل أن تتحول لاحقًا إلى النجمة الشهيرة مديحة يسري.
لم يكن العقاد غافلًا عن الفارق العمري ولا عن هشاشة علاقة كهذه، لكنه ــ على غير عادته ــ سلّم نفسه للعاطفة. عاش سنوات قليلة في كنف هذا الحب الذي أعاد إليه شبابًا داخليًا ظنه طُوي مع الزمن.
كان يرى فيها براءة تروي قسوته، وانطلاقًا يعيد إليه فضول الحياة.
لكن مسار العلاقات لا يخلو من منعطفات قاسية.
فحين ظهر الممثل أحمد سالم في حياتها، انجذبت إلى بريق السينما، فخطفها مباشرة للعمل ثم للزواج. ومع شهرتها المتسارعة، وجد العقاد نفسه أمام واقع لا يشبه معايير رجولته ولا اعتزازه بنفسه.
كان يرى أن النجومية تحول الحب إلى ساحة مزدحمة، وتجعل العاشق مجرد رقم في قائمة معجبين.
فقرر ــ على مضض ــ أن ينهي العلاقة.
لكن الانفصال لم يكن نصرًا للعقل كما تخيّل، بل بداية صراع داخلي عنيف. فقد عاش العقاد أشهرًا من التردد والحنين، يكابد رغبة العودة ويقاومها بالمنطق، ويخفي عن العالم ما لا يستطيع إخفاءه عن نفسه.
ويروي الفنان صلاح طاهر ــ صديقه المقرّب ــ مشهدًا إنسانيًا نادرًا:
ذات مساء، دخل غرفة ليجري مكالمة هاتفية، فناداه العقاد بصوت مضطرب. وجد الدموع في عينيه، واعترف له بأنه ينتظر بصمت اتصالًا من محبوبته السابقة التي قاطعها منذ أربعة أشهر.
كانت لحظة تكشف أن أكثر الرجال قوة قد يهزمهم الحنين.
وفي محاولة جريئة للسيطرة على قلبه، طلب العقاد من صلاح طاهر رسم لوحة غريبة:
تورتة شهية تحوم حولها أسراب من الذباب.
رمز بصري قاسٍ، يهدف إلى كسر قداسة الصورة القديمة في ذهنه.
علّق اللوحة أمام سريره، ليواجه الحقيقة كل صباح، حتى ينجح تدريجيًا في فك ارتباطه العاطفي.
وفي ذروة محنته كتب أبياتًا مؤلمة، أشهرها:
"وبكيتُ كالطفلِ الذليلِ أنا الذي
ما لانَ في صعبِ الحوادثِ مقودي"
بيت يختصر المأساة:
فيلسوف ينهزم أمام تجربة إنسانية خالصة.
هكذا، خرج العقاد من القصة أكثر نضجًا، بعدما اكتشف أن القلب ــ مهما اشتدّ صاحبه ــ يظل منطقة بلا أسوار.
