بقلم بلعربي خالد_ هديل الهضاب
في مساءٍ عندَ خرائبِ منسيّةٍ،
وقفَ الحصانُ يتباهى بعرْفِهِ،
ورفعَ صهيلًا يملؤهُ الادّعاء.
وقال للحمارِ بازدراء:
"لا تحاولْ أن تُشبهَ الفارسين،
فصوتُكَ نهيق،
ولو كُسيتَ سرجًا مُطعَّمًا بالذهب،
ما زادكَ ذلكَ مقدارًا ولا عزاء."
فالحمار يبقى حمارا
ابتسمَ الحمارُ وقال بهدوء:
"ليستْ لي صهوةُ خيلٍ،
ولا أعدو على الغبار…
لكنّي حملتُ أثقالَكم سنينًا،
وقطعتُ الدروبَ الوعرة،
وأهتدي للطريقِ حينَ يضلّ الرفاق،
وأعرفُ الليلَ كأنّهُ دار."
قال الحصانُ متعاليًا:
"الفخرُ لنا،
فنحنُ أبناءُ ميادينِ الهيجاءِ،
نقفزُ فوق الأسوار."
فأجاب الحمارُ بثبات:
"وأنا…
أنا الذي لا يخونُ سفرًا،
ولا يهابُ حملاً ثقيلاً،
ولا يصدّني جبلٌ ولا غبار.
أنا رفيقُ الأرض،
وصديقُ الطرق،
ومَن لا يتخلّى عنهُ المسافرُ مهما طال النهار."
عندها ظهرت المنقّبات من بين الحجارة،
وقلنَ بصوتٍ يشبه الحكمة القديمة:
"ليس المجدُ نَسَبًا،
ولا الشجاعةُ زينةً تُعلَّق على السرج،
بل صبرُ قلبٍ،
وصدقُ فعلٍ،
وثباتُ خطى في وجه الأقدار."
ثم أضافت إحداهنَّ مخاطبةً الحصان:
"لكَ جمالُ الشكل،
لكنّكَ لا تحملُ ثِقلاً،
ولا تعرفُ الطريقَ بلا دليل،
ولا تصبرُ على ليلٍ بلا نار."
وقالت أُخرى للحمار:
"ولكَ يا صاحبَ الدرب،
من الحكمةِ نصيب،
فما كلُّ بطولةٍ صهيلٌ،
ولا كلُّ مجدٍ يُصنعُ بالسيوف،
بل قد يكتبُ التاريخُ أثرَهُ
بخطى مَن يمضي صامتًا…
ويصل."
وسكتَ المساءُ بين الأطلال،
وانحنى الحصانُ قليلًا،
وقد أدرك أنّ الغرورَ ظلٌّ قصير،
وأنَّ الحقيقةَ لا تُخفى
ولو غطّاها الغبار.
